بداية، لا بد أن نعلم أنَّ الله لمَّا خلق الإنسان وكرَّمهُ بالعقل المفكِّر والقلبِ المتذكر؛ كلَّفهُ بقضايا كبرى، وأعانهُ بكل وسيلة لتحقيق هذه القضايا، ثم وعده بالجزاء إثر تحقيق هذه القضايا التي خُلق لأجلها.
ومن هذه القضايا التي كانت مقصدًا لوجوده بعد عبادته سبحانه قضية «تعمير الكون»، قال تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِیهَا﴾ [هود 61]، واستعمركم: أي طلب منكم عمارها.
وقال تعالى: ﴿إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰ﴾ [البقرة 30]، ولم يكن الاستخلاف لمجرد العبادة فقط؛ فالملائكة كانوا ﴿یُسَبِّحُونَ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا یَفۡتُرُونَ﴾ وكانوا ﴿لَّا یَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَاۤ أَمَرَهُمۡ وَیَفۡعَلُونَ مَا یُؤۡمَرُونَ﴾، ولكن كان الاستخلاف لعمارة الأرض، و أنزل المنهج السماوي ليكون دستورًا يرشد الناس إلى كيفية التعمير الصحيح للأرض.
والسؤال: كيف نُعمِّر هذا الكون؟
وقبل الإجابة ينبغي أن نعرف ماذا يمثل لنا الكون في لغة المفردات والموجودات، حتى نستطيع تعميره.
الكون ببساطه هو النبات والحيوان والماء والهواء والطيور والحشرات وكل ما يحيط بنا في هذه البسيطة، ويسبق كل هذه العناصر الإنسان، فهو أساس عناصر الكون.
أما عن كيفية تعمير الكون، فيكون عن طريق تعمير وبناء ونماء كل عنصر من العناصر التي ذكرتها. وأما عن الوسائل فكثيرة جدًا وهذه من رحمة الله وسعة فضله.
لكنَّ من المُسَلَّم به أنه لا يمكن تعميره بالمسلسلات والأفلام.....أكيد لا يمكن تعميره بالأغاني والرقص.....قطعًا لا يمكن تعميره باللا طموح واللا أهداف..... لا يمكن تعميره بشباب الفيسبوك والتيك توك...... لا يمكن تعميره بشباب البانجو والشابو والمخدرات ...... لا يمكن تعميره بشباب وبنات التوك شو ..... لا يمكن تعميره بهؤلاء أبدًا، هذا أمر لا جدال فيه عند أصحاب العقول والفطرة السليمة.
كذلك لا يمكن تعمير الكون بالشائعات ولا بالكذب ولا بالرشوة ولا بالمحسوبية ولا بالربا ولا بالتفجير ولا بالشذوذ ....
إذن كيف نعمر الكون؟
لا يمكن تعمير الكون إلا بالعلم، والعلم لا يتحصل إلا بالقراءة والدراسة والأستاذ والمنهج والبيئة العلمية.
لا تُعَمَّر الأكوان إلا بالعمل الجماعي وروح الفريق.
لا تُعَمَّر الأكوان إلا بالأخلاق والقيم الإنسانية، التي تبني ولا تهدم والتي تجمع ولا تفرق.
لا تُعَمَّر الأكوان إلا بشباب لديه رؤية وطموح، وهذا النوع من الشباب لا يخرج إلا من أسرة واعية ملتزمة تعرفُ كيفية التنشئة الصحيحة.
لا تُعَمَّر الأكوان إلا بالأمل الفسيح والعمل المُريح.
لا تُعَمَّر الأكوان إلا بالحب والتعاون والإيثار والكلمة الطيبة الدافعة.
لا يمكن تعمير الأكوان إلا بالسير على طريقة التعمير التي وضعها صانع وخالق هذا الكون، وهي التي تتمثل في منهج «افعل ولا تفعل».
لا يمكن تعمير الأكوان إلا بالإيمان والعمل الصالح؛ لأن الإيمان قوة روحية تدفع صاحبها إلى المثابرة والتضحية والتفاني في أداء الواجبات من أجل الفوز بالجوائز التي أُعدت لأولئك المؤمنين.