كمال الدين بن يونس، أحد الأعلام الموسوعيين في دولة الإسلام بالعراق، عاش بين القرنين السادس والسابع الهجري، وكان أعجوبة عصره، علمًا وعقلًا ودينًا.
كان موسوعة علمية تسير بين الناس، تحملُ في جوهرها اللغة والفقه والتفسير والحديث والتاريخ والأصول، كما تتضمن أيضًا علوم الهيئة والفلك والرياضيات والمساحة والموسيقى والكيمياء.
لأجل ذلك نال توقيرَ العلماء وإجلالَهم له عَبَر التاريخ، فكثُرت صفحات التراجم له، وازدحمت عبارات الثناء عليه، في براهين واضحة على علم هذا الرجل وموسوعيته.
تَرجَم له تلميذه الوفي العلامة المؤرخ الكبير ابن خِلِّكَان في موسوعته (وفيات الأعيان) ترجمة ضافية وكافية، توزن بميزان الذهب، فكان مما قال فيها:
ولما اشتهر فضله انثال عليه الفقهاء، وتبحَّر في جمع الفنون، وجَمَعَ من العلوم ما لم يجمعه أحد، وتفرَّد بعلم الرياضة...
وكان الفقهاء يقولون: إنه يدري أربعة وعشرين فنًّا دراية مُتقَنة، فمن ذلك المذهب وكان فيه أوحد الزمان، وكان جماعةُ من الطائفة الحنفية يشتغلون عليه بمذهبهم، ويَحل لهم مسائل (الجامع الكبير - للكرخي) أحسنَ حلٍّ مع ما هي عليه من الإشكال المشهور؛ وكان يُتقنُ فَنَّي الخلاف العراقي والبخاري، وأصول الفقه وأصول الدين.
وكان يدري فن الحكمة: المنطق والطبيعي والإلهي، وكذلك الطب، ويعرفُ فنون الرياضة من إقليدس والهيئة والمخروطات والمتوسطات، وأنواع الحساب والجبر والمقابلة، والموسيقى والمساحة، معرفةً لا يشاركُه فيها غيره إلا في ظواهر هذه العلوم دون دقائقها والوقوف على حقائقها.!
واستخرج في علم الأوفاق طُرقًا لم يهتدِ إليها أحد؛ وكان يبحث في العربية والتصريف بحثًا تامًا مستوفًى، حتى أنه كان يُقرئ كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي، والمفصل للزمخشري، وكان له في التفسير والحديث وأسماء الرجال وما يتعلق به يدٌ جيدة؛ وكان يحفظ من التواريخ وأيام العرب ووقائعهم، والأشعار والمحاضرات، شيئًا كثيرًا.
وكان أهل الذمة يقرؤون عليه التوراة والإنجيل، ويشرح لهما هذين الكتابين شرحًا يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله.!
وكان في كل فنٍ من هذه الفنون كأنه لا يعرف سواه لقوته فيه.
وبالجملة فإن مجموع ما كان يعلمه من الفنون لم يسمع عن أحد ممن تقدمه أنه قد جمعه.
هذا، وقد قال موفق الدين عبد اللطيف البغدادي: «ولما كان سنة خمس وثمانين وخمسمائة حيث لم يبق ببغداد من يملأ عيني، ويحل ما يشكل علي، دخلت الْموصل فَلم أجد فِيهَا بغيتي لَكِن وجدت الْكَمَال بن يُونُس جيدا فِي الرياضيات وَالْفِقْه، متطرفا من بَاقِي أَجزَاء الْحِكْمَة، قد استغرق عقله وَوَقته حب الكيمياء وعملها حَتَّى صَار يستخف بِكُل مَا عَداهَا».
أما عن مؤلفاته التي تركها فقد ذكر له المؤرخون عدة مؤلفات مثل:
كتاب تفسير القرآن، وكتاب شرح التنبيه في الفقه، وكتاب مفردات ألفاظ القانون، وكتاب في الأصول، وكتاب عيون المنطق، وكتاب لغز في الحكمة، وكتاب في النجوم، وكتاب الأسرار السلطانية، ورسالة في المخروطات.
وهكذا يتبين لنا من هذا العرض الموجز أن كمال الدين بن يونس كان من عباقرة الإسلام الموسوعيين الذين شاركوا في كل فن، وضربوا بسهمٍ وافر في كل علم، مما يدعونا ذلك أن نسير نحوهم وأن نقتدي بهم؛ لعلنا نكون أمثالهم، وما ذلك على الله بعزيز.