من أروع ما قرأتهُ، وكان سببًا لهذه المقالة، ما افتتح به الإمام أبو منصور الثعالبي كتابه (فقه اللغة وسر العربية) بقوله: «فإنَّ مَنْ أحبَّ اللهَ تعالى أحبَّ رسوله محمدًا ﷺ، ومن أحبَّ الرسول العربي أحبَّ العرب، ومن أحبَّ العرب أحبَّ العربية، التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحبَّ العربية عُنيَ بها وثابر عليها وصرف همَّته إليها، ومن هداه الله للإسلام وشرح صدره للإيمان وآتاه حسن سريرة فيه؛ اعتقد أن محمدًا ﷺ خير الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة».
وهنا استوقفني قليلًا هذا الكلام، وتسائلت في نفسي: أوَ ليست هذه مغالاة زائدة من الثعالبي للغة العربية؟!
وبعد أن سرحتُ بفكري - بعض الوقت - في رياض آيات القرآن والسنة النبوية؛ وجدتُ الأمر أصحَّ من الصحيح، وحقيقةً هي جزءٌ من العقيدة الإسلامية؛ لأن اللغة العربية ليست لغة أرضية ولا قومية، بل هي لغة سماوية، شرَّفها الله بالقداسة والبركة والتعظيم؛ حين أنزل بها القرآن الكريم، الذي هو كلام الحق سبحانه وتعالى المُنزَّل على قلب النبي ﷺ بلسان أمير الوحي جبريل عليه السلام.
لأجل ذلك كان للغة العربية مكانتها وعظمتها ووقارها، وأصبح إجلالها وحُبها من إجلال وحب القرآن، وإجلال القرآن من إجلال الله، والذي يُحبُّ القرآن ويُحبُّ لغة القرآن هو في الحقيقة يحبُّ اللهَ، ولا يمكن لقلبٍ ينبضُ بالإيمان أن يحملَ حقدًا أو بُغضًا لتلك اللغة، ومَن يفعل ذلك فهو في الواقع بعيدٌ عن الإيمان.
أما عن ارتباط حب اللغة بحب النبي ﷺ؛ فلأن سيدنا النبي من العرب، ولقد جاء في الأثر الذي أورده ابن عساكر بسنده في تاريخ دمشق أن النبي ﷺ قال: «أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي».
وهكذا نرى أنَّ اللغة العربية - في فضلها ووقارها - لا تنفصل عن حب القرآن ووقاره وحب النبي ﷺ وإجلاله.
ثم شرح الإمام الثعالبي حقيقة حب اللغة العربية وأكَّد بأن ذلك لا يتحقق إلا بالاعتناء بها والمثابرة عليها وصرف الهمَّة إليها.
وهو في ذلك يشير إلى أمر مهم؛ وهو أنَّ التعبير عن حب اللغة العربية لا يكون بالأشعار والشعارات والادعاءات، بل للحب حقيقة، وحقيقة الحب الاعتتاء بالمحبوب والحرص عليه وبذل الجهد والوقت والمال من أجله.
إنَّ المحبين في شُغلٍ لسيدهم
كفتيةِ الكهفِ لا يدرون كم لبثوا
ومن هنا، يدعونا حب اللغة العربية أن نحرص على تعليمها لأطفالنا، وأن نغرس فيهم روحها وآدابها وقِيَمها؛ لأنها مصدر عزّهم، وأداة مجدهم، وسر قوتهم، ومفتاح حضارتهم، ولسان وحيهم وعبادتهم.
يدعونا حب اللغة العربية أن ننطق بها نطقا صحيحا في كل محفل ولا نتباهى بغيرها ولا نركن إلى سواها...... حب اللغة العربية يدعوك أن تدرسها دراسة دقيقة تُعينك على فهم أسرار القرآن ولمساته ولطائفه.
نسأل الله أن يزيدها نورًا على نور وجَلالًا على جَلال، وأن يُبارك في كل المهتمين بها الساهرين على حفظها، وأن يحفظ أزهرنا الشريف الحارس الأمين للغة والدين، وأن يبارك جهود مجامع اللغة العربية في عالمنا العربي والإسلامي اللهم آمين.