لا شك أنَّ للغة العربية عمرٌ ضارب في جذور التاريخ، فهي موجودة منذ الإنسان القديم؛ دلَّت على ذلك النقوش والآثار.
لكن شاء الله لهذه اللغة أن ترتقي من مجرد الوجود العاديّ إلى أفق القداسة والخلود، فجعلها لغة الكتاب السماوي الخاتم، وجعلها اللسان الذي نطق به أفضل الأنبياء والمرسلين، ومن هنا كتب لهذه اللغة الخلود الأبدي؛ لأن القرآن خالد، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ﴾ [الحجر 9]
ليس في الدنيا فقط، بل يمتد خلود القرآن وخلود اللغة العربية وبقاءهما إلى بعد قيام الساعة، ففي الحديث الصحيح أنه يقال في الجنة لقارئ القرآن اقرأ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا... الحديث.
وكذلك السنة النبوية الصحيحة خالدة بخلود القرآن؛ لأنها الشارحة والموضحة للقرآن، قال تعالى: ﴿إِنَّ عَلَیۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُ۞فَإِذَا قَرَأۡنَـٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ۞ثُمَّ إِنَّ عَلَیۡنَا بَیَانَهُۥ﴾ [القيامة 17: 19]
وبيان القرآن لا يكون إلا بالسنة، كما قال تعالى: ﴿الۤرۚ كِتَـٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ خَبِیرٍ﴾ [هود 1] وقال جل شأنه: ﴿وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ یَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل 44]
وهكذا يتأكد لنا أنَّ حماية القرآن والسنة ليست بفضلٍ من أحد ولا من أي مؤسسة، بل هي عناية الربّ الحفيظ الذي أخذ العهد على نفسة برعايتهما وحفظهما من التحريف والتزييف.
ولطالما ضُمن للقرآن والسنة الخلود، فإن اللغة العربية يُضمن لها الخلود أيضًا؛ لأنها الوعاء والأداة الذي جاء التعبير بها عن القرآن والسنة.
إذن لا يضرنا أولئك الذين يرمون لغتنا العربية بما ليس فيها من عيوب؛ لأن الذي يحفظها هو الحي القيوم.
ومن طرائف التاريخ أنه حين تم إنشاء مَجْمَع اللغة العربية بالقاهرة، أطلقوا عليه «مَجْمَع الخالدين»، واستشكل على بعض السطحيين هذا الاسم، فاعترضوا، متعللين بأن الخلود لا يكون إلا لله سبحانه فقط، وكل شيء عداه هالك وفانٍ، لكن علماء الأزهر أصحاب الفكر العالي، ردوا على هذه الساذجات بأن المجمع سمي بهذا، من باب المجاز؛ لأنه يهتم باللغة العربية الخالدة التي هي لغة القرآن الخالد، فهو بذلك يستمد خلوده من خلود اللغة العربية والتي هي الأخرى تستمد خلودها من خلود القرآن الكريم.
فاللغة العربية هي لغة الخلود والبقاء رغم أنف الأعداء.
عَزَّتِ الْفُصْحَى وَسَادَتْ شَمْسُهَا
وَأَضَاءَتْ لِلْوَرَى نُورَ الْمَثَانِي
ذَهِلَ الْقَوْمُ مِنَ الْحُسْنِ فَمَا
عَادَ فِي الْكَوْنِ سِوَاهَا مِنْ حِسَانِ
هَلْ سَمِعْتَ الْعُرْبَ أَرْبَابَ الْبَيَانِ
أَوْ بَلِيغًا قَوْلُهُ سِحْرُ اللِّسَانِ؟!
هَلْ رَأَيْتَ الْعُرْبَ يَسْقُونَ الْوَرَى
مِنْ بَلِيغِ الْقَوْلِ أَنْهَارَ الْمَعَانِي؟!
كُنْ كَشَمْسٍ ضَوْءُهَا يَمْحُو الدُّجَى
ذَا بِنَاءُ الْمَجْدِ، أَنْتَ الْيَوْمَ بَانِ