في هذا الأيام الطيبة ونحن نحتفل «باليوم العالمي للغة العربية»، ينبغي علينا أن نذِّكر بعضنا بعضًا بعظمة تلك اللغة، ومآثرها الخالدة ومكانتها التالدة، تلك اللغة التي يكفيها شرفًا أنها لغة مقدسة، نزل بها خاتم الكتب السماوية، ونطق بها أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد ﷺ وصحابته الأجلاء.
لغة القرآن الكريم، الذي أعجز الفصحاء والبلغاء والشعراء والإنس والجن على أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بآية واحدة من مثله؛ فعجزوا!! ﴿قُل لَّىِٕنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰۤ أَن یَأۡتُوا۟ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا یَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضࣲ ظَهِیرࣰا﴾ [الإسراء 88]
وهي لغة الضاد، التي تتميز بعذوبة ألفاظها وبلاغة تراكيبها، ونماء معانيها وسِعة مبانيها.
ولكن للأسف مع كل هذا، ترى في أجيال العرب اليوم تقصيرًا مخزيًا حيال هذه اللغة المقدسة، فترى بعضهم يجهلها تماما، وترى الآخر يستغني باللغات الأجنبية عنها معتقدًا أن هذا هو رمز الرِقي وريشة التمدن والتحضر، وترى أكثرهم يُقحم المصطلحات الأجنبية في تعبيراته العربية، وكأن اللغة العربية فقيرة وعقيمة في الدلالة على هذا المعنى الذي عبَّر عنه بالألفاظ الأجنبية.
وهذا فِكرٌ أحول، وعقل مسلوب، وَعارٌ لا فَخَارٌ؛ لأن اللغة العربية لا يمكن أن تعجز أبدًا في التعبير عن أي معنى تريده في أي مجال كان؛ لِما تملكه من محصلة ضخمة في ألفاظها وجذورها اللغوية ومشتقاتها وتركيباتها، وتشبيهاتها واستعاراتها وكناياتها وتوريَّاتها وسائر ألوان مجازها وإعجازها!!.
فهي لغة عظيمة، وليست فقيرة ولا عقيمة، بل هي كالبحر الكامن المملوء بالدرر واللؤلؤ والمرجان؛ لكنه يحتاج لصياد ماهر للاستفادة منه.
وصدق شاعرنا حافظ إبراهيم حين قال، بلسان اللغة العربية:
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني ... عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي ... رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً .... وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ ... وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ ... فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فيا أيها الشباب العربي المخدوع، ارفع رأسك وافخر بنفسك واعتز بلغتك وبعروبيتك؛ فأنت صاحب حضارة عربية وإسلامية عريقة، ظل الغرب يستفيد منها قرونا بعد قرون؛ حتى نهض وانطلق للوجود منها وبها، ثم أقسم ألا يترك أحدًا في الميدان غيره، فسلَّط عليك الجنس والتقليد الأعمى وشعارات الحرية المسمومة؛ حتى يسلبك هويتك، ويُعرِّيك من عروبيتك ويطمس بصيرتك؛ فلا تنتِج ولا تتعلم ولا تبدع، وعندئذ لا يكون على ساحة الوجود غيره، وهذا ما يريده وما يخطط لأجله ويدفع لتحقيقه المليارات والسنوات... فانتبهوا ولا تكونوا من الغافلين.