كلما نغوص في بحار دراسات التشريح والفسيولوجي للإنسان؛ كلما تبرز أمامنا رسائل الخالق سبحانه وتعالى التي أودعها داخل هذا الإنسان، الذي خلقه المولى في أبهى صوره وفي أحسن تقويم.
فتحدثنا - في مقال سابق - عن «جهاز الإخراج» واستنبطنا منه رسالة الله في دعوة الإنسان للتخلص من فضلات أفكاره وسموم أخلاقه وأوصافه.
وها نحن نعيش مع رسالة أخرى في هذا المخلوق العجيب وهي رسالة «التكامل».
فإنك - أيها القارئ - حين تتأمل كينونة جسمك تجد أن الخالق القدير قد نظَّم بنائك في عدة مستويات، من هذه المستويات: (الأجهزة).
فخلق لك الجهاز التنفسي، والجهاز الهضمي، والجهاز المناعي، والجهاز العضلي، والجهاز العصبي، والجهاز الدوراني، والجهاز الإخراجي، والجهاز البولي، والجهاز الهيكلي ...
ثم جعل سبحانه وتعالى لكل جهاز من هذه الأجهزة وظيفة خاصة لا يفتر عن القيام بها،حتى تغزوه الأمراض الفتاكة والعوارض المؤلمة.
والعجيب في صنع الله أن كل جهاز من هذه الأجهزة لا يستطيع العمل بمفرده، بل يحتاج إلى باقي الأجهزة، فيعملون معا، في حلقة تكامل وتعاون.
فلا يمكن أن يتحرك عظام الجسم (الجهاز الهيكلي) إلا بانقباض العضلات وانبساطها (الجهاز العضلي)، كما أن تلك العضلات تعمل على تدعيم الجهاز الهيكلي للجسم وتكسبه شكلاً خاصا به، وتحمي العديد من أعضاء الجسم الداخلية، ومنها القلب (جهاز دوراني)، والرئتان (جهاز تنفسي)، والدماغ (جهاز عصبي).
والجهاز الهضمي مسؤول عن هضم الطعام وامتصاصه، ويساعده على ذلك أعضاء أخرى، منها: الكبد والبنكرياس والأوعية الدموية.
والجهاز التنفسي مسؤول عن تزويد الجسم بالأكسجين بعملية الشهيق، وإخراج ثاني أكسيد الكربون بعملية الزفير.
ووظيفة جهاز الدوران توزيع الدم على جميع خلايا الجسم ليحمل إليها الغذاء والأكسجين ويخلصها من الفضلات.
والجسم يتخلص من الفضلات عن طريق الجلد والجهاز البولي؛ حيث يقومان بتنقية الدم وتصفيته من الفضلات.
أما الجهاز العصبي فهو المسؤول عن تنظيم جميع أنشطة الجسم.
وهكذا نرى أن أجهزة الجسم المختلفة تعمل معًا في علاقة تكامل وتعاون وتآخي؛ لكي تحدث العمليات الحيوية - اللازمة لاستمرار حياة الإنسان - على أتم وجه وأكمل أداء.
فلا يمكن لجهاز أن يعمل مستقلا عن جهاز، وإلا لَما استمرت الحياة، فحياة الإنسان في تكامل وتعاون خلاياه وأجهزته.
وهذه رسالة صمدانية عليا يبعثها الله لنا من داخل أجسادنا وبصوت أجهزة جسمنا؛ أن نحيا في تكامل وتعاون، ولا يستغني بعضنا عن بعض، وأن نعمل جميعا لكي نبقى ونرقى جميعا.
رسالة السماء من داخل جسم الإنسان أن تعاونوا أيها الناس على البر والتقوى، ولينوا في أيدي إخوانكم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واجمعوا شملكم، ووحدوا جمعكم، وكونوا كالدائرة لا يُعرف بدايتها من نهايتها لتكامل وحدتها.
رسالة (التكامل) بين الأفراد والجماعات، فلا يشذ أحد عن الاجتماع البشري، ولا يبخل أحد عن مساعدة أخيه، فكلنا مسخرين لخدمة بعض، ويد الله مع الجماعة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.