أنهى عملهُ وجلسَ ليستريحَ بعض الوقت فرأى بعض أصدقائه يسيرونَ بصُحبةِ أبنائهم، ورأى آخرون يفتتحونَ محلًّا للأدواتِ الصحيّة، فدارتْ في نفسهِ الأسئلة.. ماذا تفعل في الدُّنيا غريب؟
أَمَا يكفيكَ خمسة وثلاثون عامًا مَضينَ فيها، إلى متى ستظلُ هكذا؟
إلى متى ستعيشُ وحيدًا؟
إلى متى...... وإلى متى...... وإلى متى؟
ثُمَّ تَنَّهدَ بصعوبة زافرًا مَرارة عيشهِ وكَفَّ عن حديثه لنفسهِ مُتجهًا إلى سكنه.
مساءُ الخيرِ غريب.
مساءُ الخيرِ حمادة كيف كان عملك اليوم؟
حمادة: الحمدُ لِلَّهِ على ما يُرام وأنت؟
غريب بعدما تنّهدَ تنهيدة حارّة: أنهيتُ عمل المطبعة أنا وزُملائي اليوم، وغدًا لديّ عملٌ آخر في بيت عبده؛ كي أُزخرف لهُ شقة ابنه بالنِقاشة و.....
حمادة مُقاطعًا: ما هذا الصوت؟
غريب وقد سلّطَ سَمعه نحو الصوت: اصمت للحظة.. حماده إنَّهُ صوت بُكاء طِفلة؛ لرُّبما آتيًا من الغُرفة المُجاورة لغُرفتك!!
حمادة: أجل إنَّهُ كذلك غريب.
غريب مُهرولًا نحو الصوت ليجد جارهُ عدلي يضربُ ندى _يتيمةُ الأبّ ابنة زوجهِ_ ضربًا مُبرحًا، فما كانَ من غريبٍ إلَّا أن أمسكَ بتلابيبهِ حتّى أنقذهُ رجال الشارع؛ ليَفَرَّ هاربًا تاركًا سكنه والمنطقة بأسرها.
هَدَّأ غريب من روع الطفلة ذات الخمسة أعوام، ثُمَّ تَولَّى كفالتها لحين خروج والدتها من المَحبس؛ فقد تَمَّ القبضُ عليها نظير وصل أمانة مُقابل مبلغًا من المال أخذتهُ لزوجها، ولم تستطع السداد فقدّم صاحب الدَين الوصل للنيابة.
ندى لا تخافي ولا تبكي فقد أصبحتِ بكفالة غريب؛ سأعوّضكِ عن ما أوجعكِ، ابتسمت لهُ وأضافت: تُصبِحُ على خيرٍ غريب أبي.
رَدَّ عليها غريب: لا قبل أنْ تتناولي ما جلبتُ لكِ من طعامٍ وحَلوى.
مَرّت الأيَّام وتعلقتْ ندى بغريب وتَعلّقَ هو بها.
غريب: ندى أُريدُ الذهاب إلى العملِ غدًا يكفي ما أضعتُ من أيَّام.
ندى: لا تذهب أبي وتتركني وحيدة.
غريب: إذًا مِن أين سنأتي بالطعام والشراب؟
ندى: مِن البَقّال؟
غريب ضاحكًا: ندى سأترككِ عند آدم صاحبي تلعبي مع أبنائهِ حتّى أعود من العمل.
وعلى هذا الحال مَرَّ شهران.
ندى سنزور أُمّكِ اليوم فلترتدي هذا الثوب الأخضر الجميل.
ندى بعدما أخذتهُ: حسنًا أبي.
حمادة.. حمادة هيّا قد تأخرنا فلدينا مسافةٌ لا بأسَ بها.
حمادة: حسنًا غريب هيّا بنا الآن.
ندى فلذتي اِشتقتُ إليكِ حبيبتي واحتضنتها.
حمادة هامسًا لغريب: قُل لها شيئًا.
غريب: أمّ ندى فَلتَهدأي سيُدّبرها اللَّهُ.. لا تقلقي.
أُمّ ندى: سَتركَ اللَّهُ كما سترتَ ابنتي.
غريب: الستّار هو اللَّه، وابنتُكِ أمانة في رقبتي حتّى تخرجي سالمة لتأخذيها.
أُمّ ندى: سأفعلُ وسأتطلق من عدلي لا بارك اللَّهُ فيه.
حمادة: خيرًا فكّرتِ .
غريب: كُلّهُ على اللَّهِ هَيّن.
انتهتْ الزيارة وعادَ الزائرون لسكنهم.
بعد شهرٍ من الزيارة أُخليَ سبيل والدة ندى؛ بعدما جمع بعض رجال الشارع المبلغ وأَعطَوهُ للدائن.
ندى مسرورة: أُمّي أتت.. أُمّي أتت.. أبي غريب قد أتت أُمّي.
غريب مُبتسمًا: لا فَرّق اللَّهُ جمعكما.
أُمّ ندى: لا حرمك اللَّهُ الستر والرضا.
أخذتْ أُمّ ندى طفلتها وسكنتْ بغُرفة زوجها عدلي الذي لم يُطلّقها بعد.
وعادَ غريب لعملهِ ورُغم ذلك لم ينشغل عن الإهتمامِ بالطفلة ندى.
عدلي.. عدلي ألم تعلم بأنَّ زوجكَ قد خرجتْ من المحبس؛ وهي الآن في غُرفتك القديمة، وتَنوي إقامة دعوة قضائية مطالبةً فيها بالطلاق منك.
عدلي مذبهلًا: هكذا إذًا شكرًا لك دسوقي.
دسوقي: وماذا تَودُّ أن تفعل الآن؟
عدلي: غدًا ستعلم.
دسوقي: كما تُريد.
تَركَ عدلي دسوقي واختلى بنفسهِ الأمّارة بالسوء.. خرجتْ من المحبسِ وتُريدُ الطلاق، أبهذه السهولة؟
سأجعلكِ تَكرهينَ يوم قَبلتِ الزواج منّي.
غريب: صباحُ الخيرِ حمادة.
حمادة: صباحُ الخيرِ غريب.
أُمّ ندى: صباحكما خيرٌ ورزق.
غريب: صباحكِ رضا ونور أُمّ ندى.
تَفضلي هذا إفطارُكِ أنتِ وندى.
أُمّ ندى:سَلِمتما وبارك اللَّهُ فيكما.
حمادة: نستأذن الآن.
أُمّ ندى مذعورة: عدلي.
غريب وحمادة: قد جِئتَ إذًا.
عدلي صارخًا بكل قُواه: شرفي الذي دُنِّس، عِرضي الذي هُتك!
حمادة ناظرًا لغريب وغريب ناظرًا لأُمِّ ندى.
أُمّ ندى: ماذا تقول أيُّها الظالم؟
عدلي: أقولُ ما سمعتما فأنتِ وغريب قد دنّستما شرفي!!
أُمّ ندى وقد غلبها الدمع: لَعنَك اللَّه.
غريب مُحاولًا ضرب عدلي لولا تدخل حمادة بمنعهِ مِن ذلك.
غريب ناهراً عدلي: وماذا يُتوَقع مِن دَيّوثٍ مُدمنٍ للمُسكرات مِثلك.
عدلي مُتظاهرًا بالبُكاء: سأهبطُ إلى الشارع ليحكم النّاس بيننا.
أُمّ ندى: اللهمَّ عليكَ بهِ فقد قذفني بالباطل.
وأثناء ذلك جاء آدم صارخًا مذعورًا: أنتم هُنا ولا تعرفون ما حدثَ لندى؟
سألهُ غريب: ماذا حَدَثَ آدم؟
آدم وقد ذرفتْ عيناه: قد سقطتْ في بالوعة الصرف الصِّحي _الغير مُغطاة _ إذ كانت تَركُضُ مُتجِهةً إليَّ لأفُضَّ الإشتباك الذي سَبَّبهُ عدلي.
أُمّ ندى وقد أمسكت أيسر صدرها صارخةً: بُنيّتي.. ندددددددددددددددددددى.