رأتها تبكي فتركت لُعبتَها وأسرعت إليها: أُمّي علامَ البُكاء؟
نظرتْ إليها والدمعُ يقطُرُ من عينيها وأضافت: قد ضاقتْ بيَ الدُّنيا بُنيّة.
ربتت الصغيرة على كَتفِ أُمّها بحنانٍ وأردفت: إذًا هيّا لنذهبَ من هُنا.
سألتها: إلى أينَ بُنيّة؟
أجابت بفرح: إلى بيتِ جدّتي أُمّي.
وماذا سنفعلُ بهِ وهو خالٍ من الأحباب؟
سنجلس بهِ بعض الوقت حتّى وإنْ كانَ خاليًا.. ألم تكُن هذهِ وصيّة جدّتي قبل موتها؟
أجابتها الأُمّ: بلى بُنيّة، ولكنَّ الضيق الذي هُنا هو الذي هُناكَ فالإبتلاء قد اشتدَّ عليَّ حتّى ضاقتْ بيَ الأرض.
قَبّلت الصغيرة جبينَ أُمِّها ثُمَّ رفعت يداها للسماء وقالت: اللهمَّ علّمني كيف أجعلُكَ تكرهُ أُمّي؟!!!
تعجبت الأُمّ من صنيعِ طفلتها وسألت عن سبب ذلك.
أجابت ببراءةٍ بالغة تُخالطها العفوية: قد عَلِمتُ من أبي قبل سفرهِ أنَّ اللَّهَ إذا أحبَّ عبدًا اِبتلاه، فحينَ مَرِضتِ أُمّي وافتقرَ أبي وحُرِمتُ من الأُخوة عَلِمتُ أنَّ اللَّهَ يُحِبّنا، وأنا وأبي نُحِبُّ اللَّهَ ونصبرُ لأجله، أمَّا أنتِ أُمّي فقد تضايقتِ من حُبِّ اللَّهِ لكِ لذا دعوتهُ كي يكرهكِ فيذهب ضيقك.
اِنفجرت الأُمّ باكيةً بعد أنْ تعلمت درسًا من صغيرتها لن تنساهُ ما بقيت على قيدِ الحياة، ثُمَّ كفكفت دمعها واستغفرت رَبِّها وأكدّت لبُنيّتها أنَّ حُبِّ اللَّهِ هو السعادة بعينها وأنَّ البلاء من دلائلِ المَحبّة، وأخذت مِفتاح بيت أُمّها وذهبت.
وصلت وصغيرتها بعد خمس دقائق، فتحت الباب ودلفتا، بدأتا بالوضوء ثُمَّ صلاة الضُحى، ثُمَّ أعدّت لصغيرتها نوعها المُحبّب من الحَلوى، وجلست تدعو لأُمّها كما وَصّتها: أي بُنيّة إنْ أنا مِتُ فلتدعي لي بالرحمة والمغفرة وما وردَ عن رسولِ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ ولا تقرأي عليَّ القرآن الكريم فإنَّهُ لم يَرد عن النبيّ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ أنْ قرأ أو أَمَرَ بقراءةِ القرآن على الموتى، ولكنَّهُ قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "وولد صالح يدعو له"، فلتقرأي القرآن الكريم لنفسكِ فذاكَ حِصنكِ وحصانكِ وعصمتُكِ، فاستمسكي بهِ لتحلو بهِ دُّنيتُكِ وآخرتكِ، أكثري من قراءتهِ في بيتكِ كي تَنعمي بالبَركَة.
تبسمت ثُمَّ أخذت تَقُصّ على صغيرتها ما وَصّتها بهِ أُمّها.