هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • صحيح البخاري .. الفرق بين الجميع والمجموع
  • جو مدارس
  • بالمنطق .. بالأمن القومي نتحدث
  • الإنترنت... بين كابوس مفزع وحلم جميل
  • لما بنزعل
  • ثبت خطاك
  • أكثر ما ينهك
  • عَتَمَاتُكَ المبصرة
  • لَا تُسَلِّمْ قَلْبَكَ لِمَا لَمْ يُصَلِّ لِأَجْلِكَ
  • التي تكتب ولا تقول… حتى الآن
  • حين يُساء فهمك...
  • يا سَيدةَ الحكايا الثقيلة...
  •  المدلل
  • طبتم وطاب ناديكم
  • مِلك ايديك
  • ونحلف انا وانت نتقاسم 
  • التربية عبر الأجيال.. ليست تحديًا سلبيًا، بل فرصة لتعزيز التفاهم العاطفي والتواصل بين الأسرة
  • الهوسُ المرضيّ
  • وفي حبّك… أنا القُربان
  • رجل من نوع آخر 
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة كيندا فائز
  5. رهان الخريف -رواية - الجزء الرابع و الأخير

"الحب كالفصول، فيه المحرق وفيه المزهر.. فيه المذبل وفيه المقشعر..
قد تدخل عدة تجارب في الحب لتعيش جميع الفصول، وقد يجعلك شخص واحد تعيشها جميعها.
لكل تجربة ذكرى، تأخذ حيزاً من ذاكرتنا.. تحضرنا بحسب أهمية صانعها أو بحسب الشعور الذي تركه فينا.. ألم، سعادة، خذلان.. أي كان، إلا إن ذكرى واحدة لابد أن تطغى على جميع الذكريات. "

ها هو اليوم المنشود قد حل، حفل إفتتاح فخم وأنيق كما نسق له منذر.. حضور شمل كل الطبقات والفئات.. وسائل إعلام، فنانين، مثقفين، مهتمين.. ولم يخلو الأمر من الفضولين، والمتملقين برغم عدم إقتران اسم ريتا بعائلة زوجها لكن هذا لم يمنع من استقصائهم عن هذه الريتا.
ريتا : أشعر بإرتباك شديد، لم أتوقع هذا الكم الهائل من الحضور
سارة : شعور طبيعي سيتبدد عاجلاً لا تقلقي
منذر : ربما لو كنا قد حضرنا سوياً لكنت أقل أرتباكاً!
ريتا : ربما.. لكن كما أخبرتك بمحادثتنا الهاتفية شغلني أمر مع الصغير لم أستطع الحضور دون إتمامه
منذر : ولهذا اقترحت أنتقالهم للعيش معنا..ثـ..
سارة : ألا تظنان أن هناك ما هو أهم من هذا الحديث حالياً!
وافقاها القول بإبتسامة، ثم انطلقا للترحيب بالضيوف.

اليومان الماضيان كان من المفترض رجوع ريتا لبيتها مع عائلة أخيها كما أقترح منذر، لكن اقتراحه بودر بالرفض من قبلها جملةً وتفصيلا، لذلك جعلت حجتها عدم قبول أخيها بالفكرة (والذي لم يكن على علم بالموضوع).

دارت مناقشات بين ريتا وزوار معرضها حول مواضيع
أعمالها، كما أًجري معها عدة لقاءات ما بين صحافة وإعلام..
كان يوماً طويلاً وجديداً بكل مافيه. لكنه انقضى.. الأهم بالنسبة لريتا منه، هو تجاوز الخطوة الأولى، لحياة قررت أن تبدأها، أو بالأصح فرضت عليها، لكن استكمال المسير فيها أمر حتمي لا رجعة فيه.
اعتذرت ريتا من منذر لعدم قدرتها على تلبية مطلبه بالاحتفال مع أصدقائهم بهذه المناسبة إذ كان يوماً شاقاً ومتعباً، وأنها ستعوضهم في يوم أخر بإقامة حفل خاص بهم بعد إنتهاء المعرض وحينها ستكون مربية الأطفال _التي تم التعاقد معها _ قد باشرت مهامها برعاية الصغيرين وتكون هي قد تفرغت لشؤونها والعودة لبيتها.

أنقضت أيام العرض بنجاح باهر فاق توقع الجميع _كعرض اول _ بيعت اغلب لوحاتها، وقدم البعض عروض لشراء ما ستقوم بإنجازه خلال الفترة القادمة، الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزة المحلية تداولت أخبار دخول اسم جديد لعالم الفن كما لم تخلو بعض الأخبار عن ذكر" الكاتب منذر" بصفته زوجها، مما زاد من شهرتها والإهتمام بمتابعتها.

مباشرة المربية برعاية الطفلين وعودة أخيها لعمله استوجب عودة ريتا لبيتها، فلم يعد لديها العذر أمام منذر للمكوث معهم اكثر من ذلك... فحزمت أمتعتها وعادت.

_عادت قطرة الماء. ( قالها بصوت خافت)
-ماذا؟!
تظاهر بعدم سماعه تساؤلها ونهض متجهاً للنافذة، فأجابتها والدته مبتسمة :
_يقصد أن الحياة عادت للبيت برجوعك
نظرت إليه بتعجب! ، ثم أعادت بصرها لوالدته وقد رفعت حاجبيها مع ابتسامة المتفاجئ مرددة : امممم
أستدار ليكمل سيره نحو مكتبه فسألته أمه إن كان سيتناول الغداء معهما، فرد بإن عليه الذهاب لدار النشر لتسليم روايته
_أنهيتها إذا؟!
_نعم أمي، أنهيتها، بقي بعض التفاصيل سأعمل عليها في الدار
قال قوله وهو يصعد الدرج قاصداً مكتبه فلم يبقي مجالاً لإستكمال الحديث معه، فألتفت السيدة أميرة لريتا، تسألها :
_أجميلة؟
-الرواية؟.. لا أعلم.. لم أقرأها
_كنت اظنه قد أخذ رأيك بها قبل تسليمها
-لا لم يفعل.. أنا لم اطلب منه
_أرى أموركما قد تحسنت في غيابي ( مبتسمة)
هنا.. تمنت ريتا لو تتملص من الإجابة فقد كان جوابها بداخلها (بل ساءت أكثر مما تظنين، بالنسبة لي طبعاً).. رن الهاتف، فكان المنقذ للهروب، فهرعت مسرعةً إليه

 

_ريتا!
-اهلا سارة
_كيف الحال؟
-على ما هو عليه..
_فكرت بإصطحابك لنزهة بعد أيام الجهد والتعب ( تضحك).. ها ما رأيك ؟
-فكرة جيدة، لم لا.. أحتاجها فعلاً
_أوافيك بعد ساعة لذات المكان؟
-بعد ساعتين، سأتناول الغداء في البيت
_وهو كذلك..

(في المقهى)

_لا أصدق أن كل ما مر من أحداث بالفترة القصيرة الماضية قد كان حقيقياً، وأني عشته بالفعل!!
-لكنك تجاوزته بكل صلابة ونجاح
_الحمد لله، لكن أهم مافيها هو الذي بقي، ولم أتجاوزه بعد
-وماذا قررتِ بهذا الشأن
_سأواجهه، واليوم قبل الغد... يكفينا مرواغة إلى الآن..
اتعلمين أنه قد أنهى روايته وهي قيد الطباعة حالياً.. أي أن حفل التوقيع قريبٌ جداً.. وأرى سيناريو الحفل الماضي يتكرر أمامي، إلا أن الضحية هذه المرة هي أنا لا هو..
-لا تستبقي الأحداث، قد لا يكون فيها ضحايا، وقد يكن ما سيحدث عكس تصورك
_لا لا أظن ذلك، لو كان سيحدث كما تقولين لكان خرج عن صمته وتجاهله.. متأكدة أنه يعلم أني سمعت حديثه وزوجك ورغم ذلك لم يقل شيئاً بهذا الخصوص بل صار أكثر لطفاً.. لماذا؟!.. كي يقنعني بأنه تغير، من أجل إكمال ما خطط له وكي يبقيني معه حتى ينهي مسرحيته الشنيعة لا غير
-ولما لا يكن قد تغير بالفعل وأحبك ولا ينوي خسارتك!
_هه سارة لا تضحيكني.. أنت متفائلة أكثر مما ينبغي
-معنى كلامك أنك لن تعطيه فرصة أخيرة؟
_أنت من يسال هكذا سؤال؟! وكأني لم أخبرك كم من الفرص أعطيته!!.. كم مرة انتظرته لينطق وأسامحه!!
أي فرصة التي سأهبها له مجدداً، ولماذا؟...
لن أنتظر حتى يقضي على ما تبقى مني.. قررت استباقه لإنهاء رهانه وسأفعلها.. واليوم.
-لن أستطيع ثنيك عما عزمت عليه.. لكني اتمنى أن تخرجي من القصة بسلام!
_كيفما ستجري الأمور لتجري.. يكفيني عزاءً أنني أنا من سيسيرها لمجراها وليس كما أرادها هو.

عادت ريتا للبيت وبنيتها مواجهة منذر، كان تدخل الأقدار هو ما منعها من فتح الموضوع معه طول تلك المدة، أما الآن فلم يعد بإستطاعتها الكتم أكثر من ذلك.
استقبلتها إحدى الخادمات قائلة :
( أوصتني السيدة أميرة أن أبلغك بضرورة الاتصال بها عند عودتك)
سألتها إن كان منذر قد عاد للمنزل، فأجابت بأنه لم يعد بعد، والسيدة أميرة قد خرجت منذ ساعة بعد أن أوصتها بما قالته لها.
عند إتصال ريتا بأميرة لم تجبها.. وما هي إلا دقائق حتى فتحت الباب ودخلت..
فأخبرتها بأنها عائدة من المستشفى وقد تركت ابنها هناك..
إذ حصل تصادم بين سيارته وسيارة أخرى أثناء قيادته.
وطمانتها أنه بخير، مجرد رضوض في ساعده الأيسر وجروح طفيفة في الوجه، تمت معالجتها، لكن الطبيب رأى إبقائه للصباح كي يتثبت من عدم وجود إصابات أخرى أو حدوث مضاعفات، وبعدها يوقع أمر الخروج..
لذلك طلب منها منذر الرجوع للبيت وان لا داعي لبقائها معه او مجيء زوجته..
وعند محادثة ريتا له هاتفياً منعها من الذهاب إليه إذ إن الوقت قد تأخر وأنه سيكون عندهم صباحاً.. وعلى ذلك اغلقت الهاتف وذهبت لغرفتها.
لم تستطع النوم ليلتها أثر قلقها عليه.. كما أن الفدر قد تدخل مجدداً ليمنع مواجهتهما.. بعد طول أرقها قررت الذهاب لغرفة المكتب فلربما تجد نسخة عن روايته فقد اصابها الفضول لتعرف عن ماذا كان يكتب.
هي المرة الأولى التي تجلس فيها خلف طاولته وتنظر بأوراقه...
مجموعة أوراق كانت بمجلد أمامها.. ما أن تناولته لتفتحه حتى وقعت منه صورة كانت بداخله...
إلتقطتها عن الأرض لنجد فتاة تنظر إليها مبتسمة، بشعر أشقر وعينان خضروان..
لم تفكر كثيراً بمن تكون.. لكنها أرادت التأكد..
_ أعتذر لمكالمتك في مثل هذا الوقت لكنـ..
-هل حدث شيء لمنذر؟!!
_لا هو بخير، سيكون هنا في الصباح
-اذا ماذا هناك؟!!
_أردت سؤالك عن شكل ماريا
-أريتها بمنامك لتسأليني بهكذا وقت!!!
_سارة... أجيبني فقط
-مع استغرابي الشديد. لكن.. حسناً حسناً... هي متوسطة الطول، شقراء.. عيناها خضروتان.. و..

 

لم تنم ليلتها... وها هي شمس الصباح قد أشرقت ..
خرجت من غرفتها بكامل أناقتها، ليس لأستقبال زوجها العائد من المستشفى، بل لإنهاء ما تأخرت القيام به إلى الآن.
في القاعة الكبيرة كانت السيدة أميرة قد استعدت للذهاب وإحضار ابنها.. وعندما رأت ربتا وما هي عليه، ظنت بأنها ذهابة معها.. لكن ريتا خيبت ظنها عندما قالت بأنها ستنتظره في البيت.. وعليه.. غادرت أميرة يرافقها الاستغراب من قولها فما عهدت ريتا إلا الحريصة على سلامة منذر والإهتمام به.
عاد منذر لبيته وهو بأحسن حال، فما أصابه إثر الحادث لم يكن بتلك الخطورة وليس بما يستوجب الراحة في السرير.. أعجبه مظهر زوجته فعلق عندما هنأته على سلامته :
_ تبدين رائعة هذا اليوم!
-لم أجد ما أفعله وأنا بإنتظارك فـ. ( رفعت كتفيها وفتحت ذراعيها ثم أشارت لملابسها، بمعنى، حدث كما ترى)
_جميل بحق!
-كنت سأحدثك بأمر، ليلة أمس ، لكن الحادث أدى لتأجيله..
أما الآن.. وبما أن حالك بخير، فأود أن نتحادث بشأنه.
_لاباس.. سنتحدث بعد تناول أفطارنا!
قال هذا بعد أن قالت له والدته بأنها ستشرف على إعداد الإفطار بنفسها احتفاءً بسلامة وحيدها.
أثناء جلوسهم حول مائدة الطعام، دخلت سارة وزوجها إذ أتيا للأطمئنان على صحة منذر وتهنئته بالسلامة.
أمسكت ريتا سارة من يدها وأخذتها على جنب معاتبة لها..
_ ألم تستطيعا تأجيل زيارتكما لوقت أخر؟!!
-ولماذا؟!!.. أحدث شيئاً!
_كان سيحدث لولا مجيئكما
هل لسؤالك ليلة البارحة سـ..
قاطعتها :
_كنت سأنهي ما تكتمت عليه طويلاً.. ولكن..
أكملا حديثكما فيما بعد.. هيا إلى الطعام (قالت أميرة وهي تقف منتظرة انضمامهما للبقية على المائدة)
عادتا، لكن ريتا بقيت مصرة على فتح الحديث معه بعد مغادرة ضيوفهم..
ما أن أنهى الجميع طعامهم وبدأوا بشرب القهوة في الصالة، حتى بدأ توافد الاصدقاء بعد سماعهم بالخبر الذي انتشر سريعاً في المدينة.

(في المرسم)

_يا إلهي.. لماذا تفلت مني الفرصة كلما تهيات لها!
-ربما هي إشارة لعدم تسرعك بما نويت
_تسرعي؟!!.. بربك سارة.. عن أي سرعة تتحدثين..
أما سمعت ما قاله منذ قليل!! .. ( الدار تعمل على قدم وساق لأجل أن يكون حفل التوقيع في موعده) ومتى موعده؟.... بعد غد!!!..
بعد غدٍ يا سارة.. شهور مضت والقدر يؤجل مواجهتي معه، وأنت تقولين اني اتسرع!
-عزيزتي أهدأي.. لابد أن يكون بهذا التأجيل خير لك ولكنك لم تبصريه.. أهدأي..
كانت ريتا تنظر إليها بنظرات اليائس المخذول.. لن يشعر أحد بما تشعر هي به.. حبيب ستخسره، لم يستطع قلبها التقليل من حبه رغم ما سببه لها من ألم، ولا تستطيع ابقائه بحياتها حتى يدمر أخر ما بقي منها.
-ريتا.. أعلم قدر حبك له، كما لدي حدس قوي بأنه يحبك، فأرجوك حبيبتي، أمنحيه وأمنحي نفسك الفرصة لأخر مرة، واعدك بأني لن أطلب منك هذا الطلب ثانية ولن أجادلك بأي أمر تنوين فعله بعدها.. فرصة أخيرة فقط.. ولأجلك أنت بالدرجة الأولى أقول هذا.. وصدقيني كل ما يهمني أن لا أرى الندم أكل منك ما أكل وقد فات آوان أصلاح ما يمكن اصلاحه.. فكري بكلامي، وبالطبع يبقى القرار في النهاية لك وحدك.
بعد برهة من الصمت قالت ريتا :
_ لأجلك ،أعدك أني سأفكر بما قلت، لكني لا أعدك بتنفيذ مطلبك، ولن أخون عهدي لنفسي.. قد... أدع للقدر تحديد لحظة المواجهة خلال اليوم والغد فقط، إلا أني سأقتنص اللحظة المتاحة لها بلا تردد.. هذا ما أستطيع وعدك به..
أما سطر النهاية فسيكتب بيدي أنا بكل تأكيد.

 

" نقضي وقت طويل قد يأخذ عمراً كاملاً، ونحن نسعى لبلوغ هدف أو حلم علقنا عليه كل آمالنا..
لنكتشف لحظة وصولنا، أننا ما تبعنا إلا سراباً أو ضرباً من الجنون، لا يستحق كل ذاك التعب الذي نال منا ونحن نلهث خلفه للحاق به..
نندم!.. وقد لا نندم عند إدراكنا لما أصبحنا عليه..
أكثر وعياً، وأكثر قوة، وأننا بتنا نحسن اختيار ما نسعى إليه إستكمالا لمسيرة الحياة.
والمغزى. ما لا يأتي بوقته المناسب، يفقد لذة إتيانه إن كان متأخراً، كما يسهل الإستغناء عنه غير مأسوف عليه. "

مر اليومان.. بلا فرص.. كانا ممتلأن بالأشغال.. منذر كثف معظم وقته لإتمام أمور الحفل.. والبيت لم يفرغ من الزوار لأداء واجب التهنئة بسلامته..
استسلمت ريتا للواقع وبأن.. لم يعد هناك وقت ولا نفع للكلام، جاء وقت الأفعال.
حل اليوم المنتظر.. يوم الفصل والختام..
غادر منذر باكراً لإنجاز ما عليه فعله استعداداً ليومه المرتقب ، بعد أن شدد على والدته وزوجته بضرورة الحضور في الوقت المحدد تماماً لبدء الحفل بلا دقيقة تأخير، مكرر قوله أكثر من مرة حتى لحظة خروجه من المنزل.
وبالطبع كانت السيدة أميرة الأكثر نشاطاً وتوقاً لهذا الحفل فهي لا علم لها بما يعنيه لكلا الزوجين، فأخذت تتحضر وتهتم بأدق التفاصيل.. عند الظهيرة طلبت من ريتا ان تجهز نفسها كي يذهبا للموعد الذي اتفقت عليه مع صالة التجميل، فهما كما قالت لها يجب أن تكونا الأكثر أناقة بين الحاضرين.. لكن ريتا أعتذرت عن الذهاب معللة بأنها أخذت موعد لأجل ذلك لدى إحدى الصديقات التي أصرت على القيام بالمهمة وبأجمل حلة لهذه المناسبة.
لم يعجب أميرة هذا القول ولكنها رضخت لرغبتها وأخبرتها بأنها ستعود لتترافقا سويةً كما طلب منها منذر ..وانصرفت لموعدها.
عند عودتها إلتقت بريتا الخارجة لتوها من مرسمها على ذات الهيئة التي تركتها عليها فأثار ذلك استغرابها وغضبها..
أجابتها ريتا عند سؤالها عن ذلك، بأن أحد الذين تعاقدت معهم لشراء لوحتهاأثناء قيام معرضها كان مستعجلاً لإستلام ما أنجزته إذ إن لديه زبائن من خارج المدينة وعليه إعطائهم طلبهم اليوم بسبب سفرهم..
لكنها طمئنتها بأن لا تقلق من التأخر عن الموعد، فصديقتها ماهرة وسريعة في العمل، وستكون جاهزة في ااوقت المحدد . وعليه.. طلبت من أميرة ان تذهب قبلها وستقوم باللحاق بها مع اخيها الذي دعته للحفل ولن تتاخر في الحضور
إلا أن أميرة رفضت طلبها وقالت بأنها لن تذهب بدونها، وستنتظر اخاها معها ثم ينطلقوا سوياً..
بعد مجهود ريتا الكبير بإقناعها بوجوب وجودها بجانب ابنها بهذا اليوم وما يعنيه له _ وجودها _ من دعم نفسي ومعنوي بهكذا لحظات.. وبعد تأكيدها بعدم تأخرها عنهم، وافقت والدة منذر على الذهاب بمفردها، مشددة بعدم التخلف عن اللحاق بها حسب الإتفاق ، فمنذر ألح عليها كثيراً بضرورة حضورهما مع بعضهما.. ثم غادرت قاصدة مكان الحفل.

ازدحم المكان بالزائرين من كافة الفئات، والمعجبين الذين ينتظرون حصولهم على نسخهم الموقعة بأسمائهم من قبل الكاتب البارع، المشهور.
أحاط به أصدقائه المتشوقين لنتيجة الرهان.. وهو يجلس خلف طاولته متهيئاً للحظة البدء..وعيناه لم تغفل عن باب الدخول ترقباً لوصول والدته وزوجته.
لدى دخول والدته بمفردها هب مسرعاً إليها يسألها بلهفة وإنفعال :

 

_أين ريتا؟!!
-تركتها في البيت، ستأتي بعد قليل برفقة أخيها
أغمض عيناه بغضب وقال :
_ألم أاوكد عليك وجوب احضارها معك؟!!!.. ثم ضرب جببنه بقبضة يده مكملاً... (تباً..لن تأتي) .. وهم للخروج لولا أن أمسكت والدته بذراعه.. تمهل، إلى أين؟!.. وماذا تقصد بقولك؟!.
نزع يدها عنه وخرج دون أن يجيب.. عند الباب، استدار عائداً، وأخذ نسخة من روايته وخرج مسرعاً من وسط الفوضى التي عمت المكان والجميع يتسأل مستغرباً عن سبب ذهابه... ما الأمر.. وماذا يحدث.. إلى أين ذهب؟ !!..

دخل البيت باحثاً عنها بكافة أرجائه.. ولم يجدها.. توجه للمكان الأخير المتبقي، على أمل أن يراها فيه..
فتح باب المرسم.. لكن.. لا أحد هنا أيضاً..
وجد مقابله تماماً لوحة تتضمن شمس حارقة فوق حقل قمح إنحنت سنابله حتى تكسرت على صفاف نهر جفت مياهه وتصدع قاعه.. ويتوسط المشهد جبل من جليد معتزاً بشدة تجمده، دون أن تسيل منه نقطة ماء واحدة..
وفي أسفل اللوحة توقيع..
( إهداء...
لجبل الجليد...
بمناسبة كسب الرهان.)
عند قرائته للجملة علم بأنه خسرها وقد غادرت بلا عودة.. فأخذ بالصراخ بأعلى صوته ويضرب الحائط بكل عزمه حتى سالت الدماء من يده.. ويردد :
ريتااااا، لا يا ريتا لااا.. ليس الآن.. ليس الآن..
ثم أسرع راكضاً.. ركب سيارته متجهاً لبيت اخيها

طرق الباب، ففتحت لتجده أمامها بهيئة يرثى لها
_ماذا تفعلين هنا؟
-وهل يسأل المرء لماذا هو في بيته!
_بيتك ليس هنا
-بلى هنا بيتي.. ذاك بيتك وحدك، لم يكن بيتي يوماً
_ريتا هيا تعالي معي وسنتكلم بكل شيء لاحقاً..
-لن أذهب ، ووقت الكلام قد فات.. أذهب للإحتفال مع أصدقائك لابد أنهم يستعجلون عودتك.
أرادت أن تغلق الباب لكنه منعها
_انتظري ريتا.. اسمعيني
ففتحت الباب على مصراعيه صارخة :
-بل أنت من عليه أن يسمعني.. استفذت كل الفرص التي كنت أنتظرك لتتكلم وأسمعك. ولم تفعل.. حتى صباح هذا اليوم وأنا أنتظرك ، ولم تفعل
_أعترف ، أعترف بذبني.. واعترف بأني أخطأت بحقك كثيراً ها أنا قد جئتك لأطلب منك أن تسامحيني..
أعتذر .. ريتا، أعتذر .. سامحيني
-وعن ماذا تعتذر تحديداً؟!! .. لأنك جعلتني أضحوكة سخيفة أمام أصدقائك .. أم عن معاملتك الفظة لي.. أم عن الأيام التي عشتها جحيماً بسببك..
قاطعها :
_عن كل شيء ريتا، عن كل شيء.. أنا آسف جداً ونادم بحق
-تأخرت..
وقبل أن تكمل قال :
_انتظري لحظة..
وأخرج قلماً من جيبه وكتب شيئاً على النسخة التي أحضرها معه، ثم أدارها لها لتقرأها.. وأكمل قوله :
_تعالي معي، وسترين بعينك أني أعني كل كلمة قلتها، وسأعوضك عن كل الألم والحزن الذي تسببت لك به..
هذه الرواية كتبت لأجلك..
قاطعته بغصة :
-بل لأجلها.. لأجل ماريا، لا أنا
_ليس صحيحاً، وهي ما عادت تعني لي شيئاً منذ غادرت
-اممم.. ربما كنت سأصدقك لولا أن رأيت صورتها التي مازلت محتفظاً بها، لم تغادر مكتبك طوال فترة كتابتك!!
_ليس الأمر كما تحسبيه.. أعلم أنك لن تصدقي ما سأقول ولكن احتفاظي بها لأنني كنت أشكرها في كل يوم لأنها كانت السبب بزواجي منك.. هذه هي الحقيقة.. وكنت سأمزقها عند إنتهائي من الكتابة إلا أني غفلت عنها وسط ما مررنا به مؤخراً.. صدقيني
-لا أستطيع تصديقك.. آلمتني جداً..وحجم ذنبك انتزع كل ثقة لي بك.
_ولأن ذنبي بهذا الحجم جبنت عن مصارحتك.. أردت أن أعتذر بطريقة توازي حجمه لتغفري لي..
هيا تعالي معي الكل بانتظارنا.. وسترين لما تأخرت بالإعتذار .. ثقي بي هذه المرة فقط.
وأعاد الإشارة بأصبعه على الإهداء الذي كتبه على الرواية وهو يمسك بها مفتوحة أمامها ..
( إهداء..
لقطرة الماء.. التي أذابت جبل الجليد.)
بهذه الاثناء كان ابن اخيها يحتضن ساقها باكياً فرفعته ببن ذراعيها وهي تنظر لمنذر قائلة :
-يؤسفي إخبارك ، بأن قطرة الماء ذاتها.. قد تجمدت ما إن لامست جبل الجليد.
فضمت الصغير لصدرها.. وأغلقت الباب.
نظرت للصغير بعينين دامعتين وقالت :
_لم يقلها.. حتى عندما عاد معتذراً.. لم يقلها.
احتضته وهما يجهشان بالبكاء كلاً يبكي فقيده.

**********

في اليوم السابق..
(منذر في بيت سارة ومراد)

_أحتاج مساعدتكما
مراد :مساعدة!! بماذا؟!
منذر :ريتا على علم بموضوع رهاننا الـ .. ( وصمت، فهو لم يجد وصف يناسب بشاعة فعله).. أراد أن يكمل، فقاطعته سارة ( مدعية التفاجؤ، وحفاظاً على وعدها لربتا بسرية الأمر)
_كيف؟!.. هي اخبرتك بذلك؟
منذر :لا هي لم تقل شيئاً، لكني متأكد بأنها سمعت حديثي مع مراد ( وينظر إليه) وتصرفاتها تأكد ذلك
سارة :مسكينة ريتا.. كيف يكون حالها الآن وكيف تحملت السكوت دون أن تحدثك بالأمر؟!!
منذر : لابد أنها غاضبة مني جداً
سارة : لا تستحق كل هذا للامانة.. هي رقيقة جداً، والله وحده يعلم كيف مرت عليها هذه الأيام خاصة معـ..
منذر : لذلك جئت اطلب مساعدتكما
مراد : وكيف نساعدك؟
منذر : كما ترون ماعاد من وقت لأرتب ما أقدمه لها مع أعتذري كي أضمن صفحها ومسامحتها لي.. أشتريت لها صالة عرض كي تقوم برسم وبيع لوحاتها بحرية دون حاجاتها للتعاقد مع أحد وأريد منك ( موجهاً حديثه مراد) أن ترتبها لإقامة حفل زفاف جديد يليق بها، فأنا سأكون منشغل غداً بتوقيع روايتي.. (ويلتفت لسارة مستانفاً) أحتاج منك حجز تذاكر سفر لباريس "مدينة الحب" أريد أن أقوم معها بجولة حول العالم تبدأ من هناك تعويضاً عن الأيام التي قضتها معي وحيدة وصابرة دون أن تشتكي سوء معاملتي تجاهها.
سارة : أخشى أن يكون الآوان قد فات عـ...
قاطعها :
لذلك أنا هنا.. أنا أيضاً أخشى أن تقوم بتصرف طائش أندم عليه طول حياتي
هب مراد من مكانه ضاحكاً، يصفق :
-وأخيراً خسرت رهاناً هه
منذر : على العكس تماماً، ما قيمة هكذا رهان أمام الفوز بأمرأة مثل ريتا.. أنا الفائز صدقني.
إنتهت جلستهم على أن يقوم كلاً من سارة ومراد بما طلبه منهما وبوعد سارة أن لا تخبر ريتا بشيء حسب طلب منذر، حيث قال أنه يريد رؤية فرحتها بعد صبرها عليه فهذا وحده ما سيرضيه تكفيراً لذنبه وكي يرتاح ضميره الذي يعذبه أمام تفصيره بحقها.

(ريتا في بيت اخيها)

_لا أعرف كيف أقولها لك.. لكني سأعود لغرفتي، فهل تمانع؟
-لم أفهم قصدك جيداً... أو.. كأني فهمت بأنك ستعودين للعيش معنا!!
_اهاا..
-يبدو أن هناك مشكلة بينك وبين زوجك لا علم لي بها؟!
_لن احيرك في الكلام والإستنتاجات.. وبإختصار.. لم أستطع إنجاح زواجي
-تمهلي.. فما قلته ليس بكلام عادي.. يجب أن أفهم ، هل أساء لك بشيء؟!
_لا لا.. كل مافي الأمر أننا لم نتفاهم كما كنت أظن .
(ريتا لم ترد لأخيها أن يعلم بقصة الرهان، ولم ترد أن تشوه صورة منذر أمامه، كل ما أردته هو الإقتصاص لنفسها من زوجها وإفشال رهانه،.. وإفهام أخيها أن انفصالهما أمر طبيعي حاله حال أي زوجين لم يوفقا في التعايش مع بعضهما)
بعد طول حديث بينهما، استوعب الأخ رغبة أخته ورحب بعودتها لبيتها ولحضن ابيها الثاني بكل ود..
اتفقت معه ريتا على إستأجر محل بالقرب من البيت لتكمل فيه عملها ويكن بداية انطلاق وتنفيذ مشاريعها التي اتخذتها طريقاً لمواصلة حياتها.. وعلى ذلك ودعته عائدة لبيتها كي تنهي الأمر مع منذر وتعود يوم الغد كما قالت لأخيها.

(اليوم...
يوم حفل التوقيع)

طرق الباب مجدداً..
عادت لفتحه، ومازالت تحمل الصغير ..
هو، مازال يقف مكانه..
فتحت..
فقال :
_ أحبك .

__تمت ___

رهان الخريف


✍️كيندا فائز

إحصائيات متنوعة

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↑1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑2الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓-3الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↑4الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓-1الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة حسن غريب
9↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
10↓-2الكاتبمدونة آيه الغمري
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑25الكاتبمدونة نورا شوقي200
2↑19الكاتبمدونة رشيد سبابو212
3↑17الكاتبمدونة محمد جاد78
4↑14الكاتبمدونة غازي جابر67
5↑9الكاتبمدونة خالد دومه30
6↑9الكاتبمدونة شيماء عصام124
7↑8الكاتبمدونة احمد كريدي98
8↑8الكاتبمدونة نجلاء محجوب142
9↑7الكاتبمدونة محمود سليمان (الشيمي)158
10↑6الكاتبمدونة مها الخواجه29
11↑6الكاتبمدونة سعاد سيد187
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1069
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب690
4الكاتبمدونة ياسر سلمي653
5الكاتبمدونة مريم توركان573
6الكاتبمدونة اشرف الكرم568
7الكاتبمدونة آيه الغمري496
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني424
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة402

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب330717
2الكاتبمدونة نهلة حمودة186927
3الكاتبمدونة ياسر سلمي178583
4الكاتبمدونة زينب حمدي168937
5الكاتبمدونة اشرف الكرم128388
6الكاتبمدونة مني امين116120
7الكاتبمدونة سمير حماد 106370
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي97322
9الكاتبمدونة مني العقدة93893
10الكاتبمدونة مها العطار87403

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15
2الكاتبمدونة عزة الأمير2025-06-14
3الكاتبمدونة محمد بوعمامه2025-06-12
4الكاتبمدونة محمد عسكر2025-06-04
5الكاتبمدونة عبير سعد2025-05-23
6الكاتبمدونة هاله اسماعيل2025-05-18
7الكاتبمدونة اريج الشرفا2025-05-13
8الكاتبمدونة هبه الزيني2025-05-12
9الكاتبمدونة مها الخواجه2025-05-10
10الكاتبمدونة نشوة ابوالوفا2025-05-10

المتواجدون حالياً

3268 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع