العالم اليوم لا يُغمض له جفن. ترقّب ثقيل يخيّم على العواصم الكبرى، وهمس خافت يتسلّل في ممرات السياسة الدولية. كل المؤشرات تشير إلى أن الأرض تتهيأ لاهتزاز جديد، قد تكون بدايته ضربة نووية محتملة ضد إيران، وسط تصعيد غير مسبوق بين طهران وتل أبيب، واصطفاف أمريكي بات واضحًا وضوح القنابل قبل انفجارها.
في هذا المشهد المحتقن، أطلّ دونالد ترامب بتصريح كُتب بلغة العواصف: "أخلوا إيران من المواطنين الأمريكيين". تحذيرٌ ليس بريئًا، بل يحمل في طيّاته نذر حرب، وربما يلمّح إلى صواريخ تنتظر الإشارة من قاعدة عسكرية مجهولة. لم تكن أمريكا يومًا بعيدة عن المشهد، لكن اليوم يبدو وقوفها مع إسرائيل أكثر صراحة، وأكثر فجاجة.
في المقابل، تقف إيران في عين العاصفة. لا تزال تمسك بخيوط صبرها الطويل، لكنها تُدرك أن الغارات –إن تكثّفت– لن تكتفي بإزعاج السيادة، بل قد تستنزف الروح الإيرانية ذاتها. صحيح أن حلفاءها لم يتأخروا حتى الآن، لكن هل يكفي الدعم المعنوي لصدّ العاصفة القادمة؟ وهل ستقف المصالح الإقليمية والدينية سدًّا منيعًا في وجه القنابل الذكية والطائرات المسيرة؟
اللافت في هذا الصراع أن كثيرًا من الشعارات سقطت، وتهاوت أقنعة. دعاة الديمقراطية باتوا يمارسون الاستبداد باسم الحقوق، ويقفون خلف أنظمة قمعية بثوب التحالفات، لا المبادئ. الأسوأ من ذلك، هو احتمال أن تصطف بعض القوى الإسلامية –بدافع العداء العقائدي أو المصالح– إلى جانب إسرائيل ضد إيران. إن حدث ذلك، فستكون هذه لحظة الانكشاف الأكبر: حين يسقط الطهر الزائف، وتُعرّي الحرب كل التيارات التي رفعت رايات الدين لكنها سجدت للنفوذ.
نحن لا نعارض الديمقراطية، بل نحميها. نؤمن بها كأداة لتحرير الشعوب، لا كقناعٍ لفرض الهيمنة. ولكن حين تتحوّل إلى سوطٍ بيد الطغاة، فسنكون أول من يصرخ في وجهها: "هذا ليس عدلًا... هذا ليس حرية".
العالم يوشك أن يُكتب من جديد، ولكن بحبرٍ نووي هذه المرة. ولعل ما هو قادم، لن يكون كما أراده الغرب، ولا كما توقّعته طهران، بل كما ستصنعه لحظة الحقيقة حين تتجرّد كل الأطراف من أقنعتها... ويعود الصراع إلى جوهره: صراع وجود، لا صراع توازن.