-أرسل لها ذات يوم رسالة عتب، فيها شوق وملام خفي. قال فيها:
"تناسيتِ ما غاب عن ناظريكِ حتى كاد النسيان أن يمحو من قلبك ذكره، حتى أنسى حضوره ذاته وكأنه لم يكن يومًا جزءًا من كيانكِ. لقد نسيتِ ابنكِ الرابع، نسيتِ ذاك الصغير الذي تفتحت عيناه في حضنكِ، الذي عهد منكِ الطيبة والحب حتى ظن أنه لن يرى سواهما.
ولو كان في فؤادكِ ذكرٌ له، لما غاب عن ظله الحنين، ولما شحت رسائلكِ عنه في أوقات الضيق. ألم يُخبركِ حدسكِ بما ناله من الكرب؟ كيف أنكِ لو شعرتِ بذرة مما مر به، لكنتِ اقتربتِ رغم المسافات وواسيتِ رغم البعد.
لقد ضاقت به الأرض رغم رحابتها، وملَّت قدماه السير في ممراتٍ ضيقةٍ لا تتسع لآماله. كان ينتظر أن تتذكري، أن تنبضي بنبضة حنين، أن تبحثي عنه بين أزقة الذكريات، أن تعودي ولو بكلمة تُعيد الدفء لأيامه الباردة.
لكنه، ورغم الحزن العميق الذي تملكه، لا يزال يراكِ في كل لحظة، لا يزال يرى طيفكِ في كل زاوية، ويرتجي يومًا تتسللين فيه إلى أيامه من جديد. كأنكِ ملاذٌ آمن لم يعد يصل إليه، وذكرى طيبة في قلبٍ منكسر، ينتظر أن يُلتَفَتَ إليه، ولو بنظرة."
-ردت عليه ببعض كلمات تحمل الهدوء والحزن، لكنها حاولت التبرير بما يخفف عنه ألم غيابه عن ذاكرتها، قالت:
"لم أنسك، رغم كل هذا الغياب، ولم تنطفئ صورتك في قلبي. ربما تهاونت في تذكرك، وربما ظننت أنني إن ابتعدت عن ذكراك، سأخفف عن نفسي وجعًا عميقًا كنت أحمله كلما تذكرتك. سامحني إن خانني الفؤاد أو خذلني الظرف الهامع. كانت الحياة أحيانًا تقسو بي لدرجة أني نسيت معها حتى ذاتي، وليس فقط بعض أحبتي.
رغم كل هذا البعد، أريدك أن تعلم أنك جزء من نبضٍ عتيق، ما زال يدعو لك حين تضيء ذكراك في لحظات الصمت. وأعلم أن الأرض قد ضاقت من واسع، لكن لا بد للسماء أن تفتح أبوابها ذات يوم، وتمنحك فسحة أملٍ جديدة.
لم أكن أعلم أن غيابي عنك سيثقل قلبك بهذا القدر. أدركت اليوم كم أنني كنت مخطئة. سأحاول أن أكون بقربك، ولو بصمتٍ يخبرك أنني هنا، أستمع، أفهم، وأنتظرك."