تُشبهني صلاة العصر من حيث موقعها المتوسط بين الصلوات وموقعي المتوسط بين إخوتي..
وتشبهني في توقيتها حيث اقترابها من نهاية اليوم وتشبثها بوقت قوته ونوره، تماما كما أتشبثُ كل يوم ببداياتي العفية وأنا أنظر بقبول غير مشروط لنهايتي حتمية الوصول..
وتشبهني في عزيمة فعلها حيث وقوعها بعمق اليوم، فلا هي بدء النشاط، ولا هي تمام الإنجاز، وإنما هي الصلة بين أن تكون متحفزا لإتمام ما بدأت، وصابرا على تفتت قوتك بفعل مرور ثلثي النهار.. فهكذا أنا بعمق عمري وبقية قوتي التي بالكاد تكفي الباقي من مهماتي..
تشبهني صلاة العصر في رقتها المحسوبة وحضورها الطاغي وسط الانشغال والحماس واقتراب تفتت الجهد.. تماما كابتسامتي الدائمة وحبي المبسوط لجميع المخلوقات رغم جهد روحي المنهكة..
وتشبهني في أنها تُقرِّب النهار من الليل كما أقربُ أنا الواضح إلى الغامض من المعاني والرسائل والأفكار..
تشبهني في بُعدها المحسوب عن باقي الصلوات، بعدا يمنحها تفردها البهيّ.. فلا هي كاقتراب المغرب من العشاء اقترابا يجعلهما كأخوين يجلسان على أريكة واحدة متجاورين، ولا هي كابتعاد الظهر عن الفجر ابتعاد المسافر عن المقيم.. تماما كما أنا قريبة تستطيع إدراكها لو حرصت، وبعيدة قد تفوتك لو التهيت عنها..
تشبهني الصلاة الوسطى حقا.. وأرجو أن أشبهها في وصية الحفظ.. أرجو أن آخذ نصيب الحفظ بين كل ما توسطتُه قدَرا وليس اختيارا.. أن تحفظني أقداري مما لا طاقة لي بمواجهته.. وتحفظني قلوب أحبابي.. وتحفظني نفسي من غواية الميل وعواقب الجهل بوسطية موقعي.. موقعي العادي.. موقعي الفريد.