الفصل الأول
نعيش في الدنيا ونحن نقدم حسن النية، ونحاول التفاؤل، ربما نتوقع أن نسقط في بحار خيبات الأمل، أو أن تطرقنا مطارق الخذلان، نعتاد ذلك من الغرباء ربما، لكن ما يدمي القلوب، ويكسر الروح، أن تأتي الخيبة والخذلان، والطعنة بالظهر من أقرب الأقربين، بل من أولئك الذين نتشارك معهم نفس الدماء.
**
كانت الچازية تجلس بشقتها وحيدة، بعد أن غادرت صغيرتها رابحه لكليتها، فاليوم اليوم الأخير لها بامتحانات كلية التجارة، كانت في حيرة ماذا ستطهو اليوم، وبينما هي مستغرقة في التفكير، إذ بالباب يفتح ويهل منه زوجها عمران، هبت من جلستها مبتسمة، مرحبة:
- يا مرحب يا مرحب بولد العم، ما جولتش إنك جاي ليه من بدري يا غالي.
ابتسم عمران:
- ما انتي خابره اللي فيها يا غاليه، المهم إني جدرت آجي اطمن عليكم، أمال البنته فين؟ شكلها في الجامعه، البيت هادي.
ضحكت: ايوه، في الجامعه، النهارده آخر يوم في الامتحان، ثواني اجهز الفطور تشج رجيك.
- لا ما تتعبيش نفسك آني فطرت.
- يبجي تجول رايد تتغدي إيه؟
- كل اللي من يدك يا نوارتنا حلو.
- باه عليك يا عمران، ريحني.
- والله يا چازيه لو عيش وجبنه جارك انتي ورابحه كنه خروف.
ابتسمت: يا مري عيش وجبنه آني أوكلك عيش وجبنه، هي كلها نعمة ربنا وألف حمد وشكر بس لاه، هو آني عاشوفك كل جد إيه عشان أوكلك عيش وجبنه.
وذهبت نحو المطبخ لتخرج ما نوت أن تطهوه من الأكل الذي يحبه عمران.
ونادت عليه: عمران أعمل جهوه، وإلا شاي.
- جهوه يا غاليه.
- عيوني.
وأعدت له قهوته التي يفضلها سادة، وبجوارها قطع من البسكويت بجوز الهند الذي يحبه من يدها.
وذهبت له في الشرفة حيث يفضل الجلوس.
- اتفضل يا غالي.
ابتسم حين وجد البسكويت المفضل له:
- تسلم دياتك يا غاليه.
ونظر لها بشوق واضح:
-اتوحشتك يا چازيه.
ابتسمت بحب:
- هاروح اطلع لك خلجاتك عشان تجعد مرتاح، لغايه ما أجهز الوكل.
دخلت الغرفة وفتحت الدولاب، وقفت أمام الدولاب، لتخرج ملابس لعمران، لتجد يدها تمتد تلقائيًا لتمسك بصورة الناصري حبيب عمرها، ونصفها الثاني الذي فقدته، ومنذ ذلك اليوم عاشت جسدًا بلا روح، وتزحف تلك الذكريات المختلطة بالمرارة والفقد إلى مخيلتها يوم فقدت الناصري، ساعة دخلوا عليها بجثمانه الغارق في دمائه مصابًا بطلقات غدر خائنة في ظهره، يحمله أربعة أشداء من العبابسة، مددوه على أرضية الدار لتعزف يداها على خدها أبشع نغمات الوجع والآه:
- ناصري، ناصري، يا وچع الجلب بعدیك یا ضي العین، جوم، جوم یا حبة القلب یا ولد الزین، آه يا ناصري والعبابسة من بعديك يتامي، فایتني لمین یا سبعي، فایتني آني وبتك لمین یا حب العمر كلاته، یا بوي، یا خوي، یا حبیبي، یا كل ما لیا، جوم، جوم، حددتني، فایتني لوحدي یا ناصري، یا مرك یا چازیه، یا كسرة جلبك یا چازیه، یا ظهرك اللي انجسم نصين يا حزينه، فتني ليه، خدوك غدر مني، يا بوي، يا دنيتي اللي هتسود من بعديك، يا ديابة الجبل اللي هتطمع فيكي يا چازية.
ولم تعرف كيف تساقطت الدموع أنهارًا، فراغ كبير احتل قلبها، وسحب منها روحها، ليكتمل زحف ذاك الفراغ حين ألقى ضرغام العبابسي عباءته عليها مطالبًا بحقه فيها وكأنها متاع يباع ويشترى دون مراعاة لقلبها المفطور ولروحها التي أضحت خواء، أراد أن يكتب صك ملكيتها قبل أن يسبقه لذلك أحد، دونما أي احترام لذلك الجسد الذي ربما كانت حرارته لم تبرد بعد.
صاح بعلو صوته غير عابئ بما ألم بها ولا بتلك الدماء التي تغطي يديها: الچازیه من ریحة الناصري وآني ھاخدھا من حجي ھي وبتھا، أنا أولى بيها من الكل، هيكونوا ليا وفي رعايتي، ما حدش يعرف چيمتهم غيري.
كانت العباءة كجمر النار تلهب جسدها، كلدغات عقارب سامة تسلمها للموت، كحيات عاصرة تطوقها وتكسر عظامها، ودت ساعتها أن رمت بها في وجهه وأفرغت طلقات البندقية في صدره الذي يحمل بين جنباته حجرًا لا قلبًا، لكن الحرب خدعه وأخذ الحق حرفه، ولا تستطيع وحدها أن تقف في وجه ظلم ضرغام العبابسي، وهي أدرى الناس به وتعرف حق المعرفة أنه لن يتوان عن قتل صغيرتها إن لم ينل مراده منها.
وقفت بشموخ لا يليق إلا بأنثى العبابسة ورفعت العباءة على رأسها، والدموع ترسم أخاديد الوجع على صفحة وجهها، نفس طويل اقتطعته اقتطاعًا من حولها ثم زفرته في وجع وبالرغم من أنها لم تودع تلك الزفرة إلا نقطه من بحر وجعها، إلا أنها كانت كفيلة بإحراق الأخضر واليابس، ثم قالت بوجه جامد الملامح، وفكر وقلب متقدان كبركان ثائر:
- جبلنا الحج یا ضرغام، بس تار الناصري اللیلة وإلا بيني وبينك جطيعه لآخر العمر.
ابتسم ذلك الوغد ابتسامة مقيتة:
- الليله یا چازیه اللي جتل ناصري ھیكون ممد تحت رجلیك جتیل.
نفضت عن رأسها تلك الذكريات التي كانت بالنسبة لها وكأنها حدثت البارحة وأخذت الجلباب الذي سيرتديه عمران ابن عمها ووضعته على السرير وخرجت من الغرفة.
لتناديه:
- عمران، طلعت لك خلجاتك، تعال اتسبح وغير.
جاء عمران فقالت بترحاب يناسب مكانة عمران لديها:
- نورتنا يا ولد العم، غايب عنينا بجالك كتیر واتوحشنا حديتك، وجعدتك وسطينا، الخلاجات أهيه، اتسبح ومدد جتتتك شويه.
عمران عبدالكریم العبابسي، ذلك الوتد الراسخ على الأرض أقوى أولاد عمها عبد الكريم یقف أمامھا بطوله ووسامته التي لم ینل منھا الزمن شيئًا سوى بضعة شعرات تغزو ذقنه، وشاربه، وعره، خلع عمته وجلس على الأريكة مبتسمًا
- إنتي خابره یا چازیه إن رجالة ضرغام مراجبني كیه ظلي، آني باعمل كیه الحرامیه عشان اتخفى واھرب منیھم، لساته بيعس عنيكي وعن رابحه، ما جابلش ينسى اللي عملتيه.
لتدخل رابحه من باب الشقة وتسمع كلمته فترد:
-نورت یا عمي.
وقالت باستهزاء:
- وإحنا ھنفضل في لعبة القط والفار دي كتير كده إن شاء ﷲ، كل مره تجيلنا، تیجي متخفي، وتخرج متخفي، وكأننا بنسرق وإلا لا سمح الله بنرتكب معصيه.
نظر لھا نظرة غاضبة:
-یا بت الناصري، آني ما خایفش على نفسي، أنا ما عیقدرش علیا حد، ولا حد دراعه یجدر یغلب دراعي، وأمك خابره وعارفه ده زین، آني عمران العبابسي، بس الخوف علیكي وعلى أمايتك، لو ضرغام خبر مكانكم، عمران لساه بیعس علیكم لدلجیت، ومش ساكت، مش ناسي الكف اللي أمايتك ادتھوله على جفاه بھربھا منیه لیلة عجده علیھا، عمران عيقتلكم، وآني ما أجدرش اتحمل إكده، عهد أخدته عليا أمايتك، وحمايتكم حج واجب في رجبتي ليوم الدين، وانتي مش هتسلمي وإلا إيه ما اتوحشتنيش يا بنت الچازيه.
اقتربت منه ملقية نفسها بين ذراعيه:
- إنت عارف أنا باحبك قد إيه وده اللي مزعلني، عاوزاك تفضل معانا ماتسبناش.
لتتدخل چازیه في الحدیث:
- يا مري منيكي بنيه، بكفياكي، كل مره يجي يزورنا تودريه إكده، یا ﷲ یا رابحه على جاعتك، غیري خلجاتك، عشان عمك عمران زمانته چعان، عشان تساعديني ونجهزوا الغذا، وهو يتسبح ويمدد هبابه.
- ما فيش تمديد، هيقف جمبنا في المطبخ، ما ليش دعوه.
ابتسم:
- أوامرك يا جناب رابحه باشا، هاتسبح بس وآجي جاركم.
دخلت غرفتها وبدلت ثيابها لثياب مريحة أكثر، وخرجت لتساعد والدتها في إعداد أطباق الطعام الذي یفضله عمران، من طاجن الأرز المعمر، والبط، للرقاق باللحم المفروم، وعمران بجوارهما في المطبخ يسامرهما وتتحدثان معه.
ثم قامت رابحة برص الأطباق على طاولة الطعام، وتناولوا طعامهم في سرور.
بعد تناول الطعام قامت رابحة برفع الأطباق وأعدت چازیه لعمران فنجانه من القهوة السادة وبينما تحمل صينية القهوة، وعليها فنجاني القهوة وقطعة من الحلوى، إذ أحست بألم شديد يداهمها، كانت قد اعتادت على تلك الألآم التي تنتابها من حين لآخر حتى أصبحا صديقين، لكن الألم هذه المرة شديد حقًا، ومؤلم لدرجة كبيره، لم تقو على التحمل وصرخت ممسكة بصدرها، لتسقط الصينيه ویھب كل من عمران ورابحه لھا، صرخ عمران:
-مالك یا بت عمي؟ بيكي إيه؟ إيه اللي واجعك.
وسألت رابحة في فزع:
-مالك یا ماما؟
لترد وهي تضغط على أسنانها من شدة الألم:
- ما جدراش یا واد عمي مجدراش، سكاكین بتقطع في صدري.
ليحملها عمران بين یديه كما الطفلة الصغيرة وهو يصيح برابحة:
- لافیني طرحه أمك یا رابحه.
فلفت رابحة رأس أمها بغطاء الرأس، وهرع عمران يحملها إلى سيارته، ترافقهما رابحة متجهين صوب المشفى.
وفي الطريق بينما السيارة متوقفة في إشارة المرور بهدوء، على النقيض تمامًا من مستقليها الذين تعصف بهم المشاعر والاضطرابات والتساؤلات والخوف من المجهول، إذ بسيارة أخرى مجاورة یقودها فھد ضرغام العبابسي، ابن ضرغام وذراعه اليمنى وتجذبه نظرة تلك السمراء الجالسة بالخلف تحتضن سيدة ويبدو علیھا القلق والخوف وتتصارع خصلات شعرها الغجري للهروب من ذلك الحجاب الذي يحتضنها بإهمال وقبل أن يشرد في تلك الجميلة وحالها تصطدم عيناه بالراكب بمقعد قائد السيارة ليجده عمران ابن عم والده، فتتملكه الدهشة وتسكنه الحيرة، وقبل أن ينطق لينادي عليه، تفتح الإشارة الطريق لينطلق عمران مسرعًا بها.
فيسرع فهد لمهاتفة والده قائلًا:
- سلام علیكم یا بوي.
- وعلیكم السلام یا ولدي.
- إلا یا بوي مش ولد عمك عمران المفروض إنه جايل عيدلى سكندرية، عشان شغلانه هناك في المينا.
- إیوه یا ولد، وخلص شغلانة المینا وجال ھیجعد في شوجته حدى البحر یامین.
- بس آني لساتني ناظره من هبابه، هي عربته آني متوكد، بس وياه جوز حريم، وشكلهم إكده فيه حاجه، مستعجلين جوي.
لینتفض قلب ضرغام بین ضلوعه حتى كاد أن یحطمھا:
- بتجول چوز حریم، وراھم یا فھد وراھم، إیاك یفلتوا منیك، تچیب لي كل اللي تجدر علیه، مكانھم، ومین دول؟ إیاك یا فھد یفلتوا منيك، چسمًا بالله أودرك يا فهد.
- عیب یا بوي آني فھد ضرغام، مين يجدر يفلت مني؟
حمد فھد ﷲ أن الطریق اتجاه واحد، وأنه ما زال یلمح سیارة عمران، ولحق بھا حتى توقف عمران أمام المشفى ووجده ینزل منھا مسرعًا ویحمل السیدة التي لم يتبين ملامحها، وتلحق بھا الفتاه التي سحرته، لحق بھما وانتظر قلیلًا حتى أنهى عمران حديثه مع موظف الاستقبال، ووضع المسعفون الچازية على الحمالة الطبية وهرعوا بها، ومن خلفهم عمران ورابحه، توجه للعامل في الاستقبال وبعد أن أنقده مبلغًا مجزیًا أخبره العامل بكل ما یرید معرفته من خلال الأوراق والبيانات التى أملاها له عمران.
وقف فهد متعجبًا مما عرفه من البيانات، إن السيدة هي الچازية زوجة المرحوم عمه، التي هربت منذ زمن كما يعرف، وبالتأكيد تلك الفتاة هي رابحة، أيعقل هذا، لقد تغيرت ملامحها كثيرًا، لم تعد تلك الصغيرة ذات الضفيرتين، التي لم يكن يلعب سوى معها من الفتيات، ولم يكن يسمح لأحد من الصبية باللعب معها، كان مسموحًا لها باللعب معه هو فقط، إنها التي سكنت قلبه وروحه منذ الصغر، رفض كل النساء، وكان أمله أن يجدها، وها هو الآن وجدها صبية فاتنة، استحوذت على كيانه من أول نظرة، وداهمته التساؤلات عن الخالة چازية ومما قد تكون تشكو، لكنه أخرج نفسه من كل ما يعتمل برأسه و قرر مهاتفة والده؛ ليخرج فھد هاتفه المحمول، ويطلب رقم والده:
السلام علیكم یا بوي.
- وعلیكم السلام یا ولدي، ھا، طمني.
- ھو یا بوي ولد عمك عمران، ومعاه حرمتین، الخاله الچازيه وطلعوها للدكاتره، ورابحه.
- تعبانه، مالھا؟
- لساتني ما خابرش، جات المستتشفى ماسكه صدرھا والوجع جاتلھا، لساتھم هيكشفوا عليها، اطمن يا بوي، آني عرفت عنوانهم فين، وعرفت كمان إن عمران يبجى جوزها.
- بتجول إيه؟ چازيه اتجوزت عمران! مش وجته يا ولد، المهم فھد یا ولدي خلیھم تحت عنیك، عاوز أعرف كل حاجه، لازمن تعس وتعرف لي الچازيه مالها، وإیاك عمران یغفلك ویھرب منیك، كیه ما ھرب من الرجاله في سكندریه.
- واه يا بوي هم الرچاله كانوا مراجبينه، طب ليه؟
- مش وجته يا فهد، خليك في اللي جلت لك عليه.
لیغلق ضرغام مع ولده وعاصفة من المشاعر المتضاربة تتلاعب به كما الإعصار المداري، أيعقل أنها الچازية حبة قلبه، وحلمه الذي لم يستطع الحصول عليه وتملكه، نعم لقد قال فهد أنها الچازية، ولكن ما بها ما هي علتها التي تشكو منها، يحثه شيطانه الآن على الذهاب إليهم طائرًا والفتك بها وإراقة دمها ودم عمران، لكن قلبه ينهر ذاك الشيطان، ويهدئه قائلًا لقد عثرنا عليها وآن أوان الارتواء، لكن العقل يخبره أنها رفضته، نبذته، هربت منه، وأبت أن تكون له، تذكر یوم موت الناصري وتعھده لھا بإحضار قاتله في ذات الیوم وتنفیذه لوعده لھا وإحضار نجیب أبو حطب، الذي كان على خلاف مع الناصري بسبب شراء قطعة الأرض الشرقیة، لقد أفرغ فيه كامل خزنة البندقية، وأحضره تحت قدمیھا غارقًا في دمه، لترضي عنه وتقبل الزواج به، یتذكر حنانه على رابحه واحتضانه لھا فكم یعشقھا رغم أنھا لیست ابنته، یعشقھا لأنھا نسخة من أمھا، لقد عشق ضرغام الجازیة منذ أن حملھا بیدیه ولیدة، كان عمره عشرة سنوات ومن یوم أن حملھا صمم أن تكون ھذه الولیدة ملكًا خالصا له.
لكن حظه التعس وحكم العبابسي والده حرمه منھا، وربطه بصبیحة ابنة خالتھا لتتحد أملاك العبابسة، لكنه كان ینوي الزواج منھا، وتكالب عليه الحظ السيء مرة أخرى، فعندما سافر للحج بصحبة والد زوجته، فوجئ بإتمام زواج الچازیة من أخیه الناصري الذي یصغره بخمسة سنوات، كان ضرغام یعلم أن الناصري وچازیة عاشقان، لكن ذلك لم یفتت في عضده بشيء، وكان عاقدًا العزم على الزواج بالچازیة، كان موقنًا من أن حبه لھا سینسیھا حبھا لأخیه، لكنه صدم بخبر زواجھما، ولكن القدر ابتسم له أخيرًا ومناه بالاقتراب بعد موت الناصري، لم یحزن علیه بل كانت سعادته لا توصف، ستكون الچازیة له أخیرًا، لكن حدث ما لم يكن يتوقعه أبدًا، لتوجه له الصفعة الكبرى، وتھرب من نجع العبابسة لیلة عقد قرانھا علیه، كم بحث عنھا طویلًا لكنه لم یعثر على أي أثر لھا، كان متأكدًا أن والدھا یعلم بمكانھا، فلم یكن خائفًا أو متلھفًا للبحث عنھا، وھو یعلم مقدار حبه لھا فھي وحیدته، وتيقن تمام اليقين من ذلك، حين أعلنها والدها صريحة حين انبرى شباب العائلة ليبحثوا عنها لينتقموا لشرف العائلة الذي لوثته بهروبها، يومها وقف أمام الجميع وقال:
- الچازيه أخت رجال، وما تخطيش واصل، وآني عارف مكانها، ولو السيف على رجبتي ما هاجولش عليه، واللي هيأذي چازيه كنه آذاني.
حتى بموت والدھا لم تظھر، لقد راقب ابن عمه عمران فھو الأقرب لوالدھا وبالتأكید أسر له بمكانھا قبل موته، لكن عمران كان حذرًا جدًا، رغم مراقبته له طوال عشرة سنوات لم یستطع أن یعرف مكانھا، لكن ھا ھي الأیام أحضرتها له، لن یمنعه عنها أي شيء، ستكون له، ولولا أنه يجب أن يستلم البضاعة القادمة بنفسه، ويجب عليه إمضاء عقود الشراكة الجديدة بنفسه لم يكن لينتظر أبدًا، لكن أوشك أن يقتربت من مراده.
***
في مكان آخر بالصعيد صدح الصوت:
-رص الجفصان زين يا ولد، حملها مليح.
كان هذا صوت رشوان اليد اليمني لصقر الجبالي
أجابه الحمال:
- تؤمر يا ريس.
ليقول رشوان موجهًا كلامه لأحد معاونيه:
- كل العربيات حملت العفش.
فيرد:
- زي ما أمرت يا ريس.
فيخبره رشوان بأوامره:
- الحريم يتوزعوا في عربيات البضاعة يغنوا ويزغردو والرجال يخبو السلاح بظهر أجفاص الصباحيه لو البوليس شم خبر وفكروا يفتشوا تغربلوهم المهم عندي البضاعه توصل.
هز معاونه رأسه:
- يا ريس هي أول مره إياك، ما تشيلش هم.
فتجهمت ملامح رشوان:
- لا عاشيل الهم، المره دي العمليه كبيره، يالا امسكو الطريج، وآني هكون وراكم بالملاكي.
هتف المعاون صائحًا في الرجال والنساء:
-يالا منك ليه اطلعوا العربيات، وانتي يا حرمه عاوز الزغاريد والرقص ما يتقطعش واصل خصوصي عند الكمين.
وصلت السيارات الكمين
فأشار الضابط لهم بالتوقف:
- بس يا وليه منك ليها دوشتونا.
ضحك معاون رشوان:
- عجبال عند أحبابك يا باشا عفش عروسه وصباحيتها.
قال الضابط ساخرًا:
- لا ده الدنيا اتطورت خالص، هم الوقت بيودوا العفش مع الصباحيه.
قال المعاون وهو ما زال على ابتسامته البلهاء:
- الله يكرم أصلك يا باشا، عشان يخلصو ما يتشحططوش على السكك رايح جاي، أهل العروسه منتورين أهنه وأهنه جمعناهم مره واحده ونخلصوا، الله يكرمك ما توجفناش في السمس كتير، ألا الفاكهه تحمض ونتفضحوا عند أهل العريس، دي سترة ولايا.
وجاءت إحدى السيدات تحمل علبة كرتونية على رأسها:
- اتفضل يا بيه حلي بوجك.
قال الضابط متسائلًا:
- إيه ده كمان؟
أجابته السيدة وهي تبتسم وتفتح العلبة الكرتونية:
- ده كحك العروسه الله في سماه تدوجو وتدعيلها.
ابتسم الضابط:
- ماشي يا حاجه ألف مبروك، عديهم يا ابني لا الجوازه تبوض مش عاوزين نشيل ذمبهم.
ومرت السيارات والنساء تزغرد وتغني، وصلت العربات نجع السيد فأنزل الرجال النساء من السيارات وأنقدوهم ما اتفقوا عليه من مبلغ وأعطوهم أيضًا الفاكهة والصباحية هديه قسموها عليهم وسط دعوات من النساء للجابري باشا ربنا يحرسه ويحميه ويزود رزقه كمان وكمان.
توجه الرجال لطريق الجبل، وبعد مدة لا بأس بها من السير في دهاليزه وصلوا للمغارة كان الجابري ينتظرهم أمام المدخل جالسًا يشرب الشيشة
صقر الجبالي
معروف عند العامة خارج نجع السيد بأنه أكبر تاجر فاكهة في البلد بأكملها، يمتلك مزارع خاصة لإنتاج الفاكهة باسمه ويصدرها للخارج، خط انتاج الفاكهة وتجهيزها للتصدير كله يمتلكه الجبالي حتى شركه التصدير ملك للجبالي يديرها من القاهرة، أما رجال ونساء النجع يعلمون أنه أكبر تاجر مخدرات وسلاح.