قضيت مع جدة بناتي عشر سنوات ، لنا كم وافر من الذكريات جعلها حاضرة دائمًا رغم الغياب، معظم الذكريات رائعة أو مضحكة أو حنونة حتى اللحظات المؤلمة عليها كانت هي من تهونها عليَّ...
أذكر أننا كنا نبحث لها عن شقة، وفي أحد المعاينات لشقة صيدلانية رزقها الله الخير نذكر الموقف لا الاسم هدانا الله🤦♀️دخلنا الشقة ولأني أعرف جدة بناتي جيدًا، خشيت بشدة أن يرتفع ضغطها أو تصاب بإغماء بمجرد أن لمحت أكوام الملابس بالزوايا لا نعلم سببًا لذلك، حمدت الله حينما أشاروا للصالون فالمصريين عادة حتى وإن تركوا البيت دون اهتمام فالصالون له مكانة خاصة، وهنا كانت الطامة الكبرى الصالون ممتليء ببقع الصغار والحوائط ممتلئة بمواهب أطفال البيت الثلاث بأقلام متعددة الألوان، لا بأس جدة بناتي تسعد بشقاوة الأطفال وتقدرها، لكن ما أثقل خُطوتها على الشرشف الذي غلف السجادة للحفاظ عليها والسؤال الذي تبادر للأذهان متى ينزع هذا الشرشف الذي لم يعد له لون محدد إذا لم يرفع للضيوف ولاسيما من جاءوا لشراء الشقة؟!
انا وجدة بناتي لنا نفس الصفة عيوننا تتحدث مع ثقل شديد في النطق، وجدت من نظرتها أنها لا تريد رؤية المزيد، ضغطت على ذراعها برفق أن أمرنا لله قد جئنا..
والهول والويل وكل الأمور المفزعة كانت بالحمام والمطبخ الزيوت بكل مكان البوتوجاز لا يكاد يرى من الدهون، أقدامنا كان لها صوت لزج بالأرض الكثير من التفاصيل المروعة، كنت أنظر لوجه صاحبة الشقة وزوجها وهذا الرضا البادي على وجهيهما، فهمت أن ما نراه هو أفضل أحوال الشقة وأنهما اعتادا وبمنتهى الرضا، بعد ركضنا نزولًا من الشقة وقد تحول الأمر لهيستريا ضحك دون تعليق، انتبهت وتعلمت بهذا اليوم أمرًا أصبح فكرًا أصيلًا داخلي، لا أحد يرى سوءه بوضوح، الاعتياد يجعلك تتعامل بتهاون مع أخطائك، مثل الاعتياد الآن على سماع الحوادث المؤلمة الكثيرة في مجتمعنا، الاعتياد على رؤية السوء بالشوارع وعدم نجدة أحد وإن استنجد بك، سببه للأسف اللامبالاة لما وصلنا إليه من درن ملأ زوايا المجتمع، تسلل لنا لنتقبله، ونمضى... حتى ذنوبنا اليومية و فوراغ الحديث لا ننتبه كونها كانت طلقات تصيب بمقتل ..
تذكرت هذه الحادثة اليوم وأنا أنظر لبيتي بعد الانتهاء من ترتيبه متذكرة جدة بناتي وصديقة قلبي الراحلة جسدًا وحبها للتنسيق والترتيب والتجميل والروائح العطرة لبيتها، وابتسامتها التي اشتقت لها كثيرًا ..
رحمة الله على من غمرتني بحنانها وعطائها الذي يملأ بيتي حتى بعد مرور سنوات على رحيلها ...
رحمة الله ومغفرته والفردوس الأعلى لمن قدرتني ودعمتني وكانت ترى في ما لم أكن أره أو قد لا أستحقه ...