منذ ساعات قليلة، لم يستطع التيار الحداثي المستنور القمعي المتوحش، المعادي لمستقبل الوطن ورفعة مصر، أن ينام له جفن، أو تقر له عين، أو يشعر بهناء واستقرار.
لقد كانت هناك أشواك مؤلمة في مرقده، فقام مفزوعا ليجد تصريحا لامرأة، حطمت هذا الجدار الهائل الذي ظل عمرا طويلا يبنيه، ويوسع قاعدته، ويعلي بنيانه، -طوبة طوبة- وحجرا حجرا.
لقد جاءت التصريحات التي نطقت بها د- شيرين غالب نقيبة أطباء القاهرة في حفل تخريج طبيبات جامعة الأزهر، صادمة مهولة مفزعة، أرقت راحته وراحة أنصاره.
لقد جاءت الضربة من امرأة طبيبة ومتعلمة ونقابية نشطة، ونموذجا للمرأة العصرية الحركية التي أخذت كل حقوقها كامرأة.
ثم كانت الداهية، أنها غير محسوبة على أيديولوجية بعينها، أو تيار ديني يمكن من خلاله أن نصفها بالإرهاب.
المرأة تكشف عن خصلات شعرها، وتصبغ شفتيها بالروج الأحمر، مما أحدث نوعا من الزغللة وشغب الرؤية في أنظار المتعلمنين.. ثم ها هي (أستاذ الطب الشرعي والسموم الإكلينيكية طب القصر العيني و نقيب أطباء القاهرة ومسؤول اللجنة التنفيذية للصحة والسكان في المجلس القومي للمرأة.)
يا للهول.. فكيف لهم مع هذا التفوق العلمي والعقلي، أن يتهمونها في شيء؟!
لقد صارت المهة صعبة عليهم وشاقة.
فياليتها جاهلة أو ذات تعليم متواضع، حتى لا يشقيهم الاتهام والهجوم، لكن المحنة أن المرأة على المستوى الرفيع علما وعملا.!
قلبي معكم أيها المهتاجون في محنتكم وحرجكم الذي منيتم به، واتلتكم بأزمته هذه المرأة.
أجزم أن كل امرأة هاجت واهتاجت واغتاظت من هذا الكلام، لو أننا فتشنا في واقع حياتها، لوجدنا فشلا ذريعا في بيتها، أو زوجا متسلطا متجبرا يحاول أن يلغي دورها، ويهدم نجاحها، ويسبب لها أزمة عقلية ونفسية، وعندما تكلمت الدكتورة بهذا الكلام، تفجرت هذه العقد لأنها وضعت يدها على الجرح الساخن، وحكت بمنطقها الفطري سخونة التهاباته، فلم يطقن الحديث، ورحن يسخطن ويعارضن ويصرخن ويهاجمن.
الهجمة شرسة وعنيفة، صبت لهيبها على المرأة العاقلة بلا رحمة و احترام أوأدب، بل تخطى الأمر لأبعد من هذا، فإذا بكاتبة علمانية وقحة شرسة، معروفة بفوبيا الأخونة، ومشهور عنها حماقتها في الردود والتلفيق، وهوسها في اتهام كل من يخالفها في الحياة بالأخونة، حتى يخيل إلي أنها لو حدث خلاف بينها وبين زوجها أو أحد أبنائها، لاتهمتهم سريعا سريعا بالأخونة.. بل تعدى الأمر تصوره، حينما قالت وأعلنت أن هذا نتيجة صمتنا على تعليم عنصري كاره للمرأة، وطبعا لأن الحفل كان لخريجات كلية الطب بجامعة الأزهر وكانت فيه منتقبات، وهذا مشهد يؤرق أحلامهن الفاجرة.. التي تنشد امرأة مبتذلة منحلة..وأنا أتعجب كيف يريد التعليم الأزهري محو المرأة والواقعة كلها حدثت في كلية للطبيبات، والحفل كان في تخريج الطبيبات.. أي أنه يثبت حق المرأة في التعليم ويعزز مكانتها ووجودها الحياتي، فأين هذا المحو؟ ما هذا البله والخطل وسوء التقدير والأدب؟!
الكاتبة الرعناء قدمت بلاغا عاجلا للنائب العام في الدكتورة شيرين، وأولى بالأزهر أن يقدم في جرأتها عليه بلاغا للنائب العام يتهمها فيه بازدراء الأدياء والإضرار بالوطن في التعدي على معلم من معالم مصر الكبرى وهو الأزهر الشريف.
الدكتورة غالب نقيبة أطباء مصر، تعني امرأة مجتمعية وناجحة، وفوق هذا صاحبة تجربة، قالت رأيها بحكم خبرتها وتجاربها الحياتية، فطلع عليها الفيمنست ينهشون لحمها، ويكسرون عظامها، ويمزقون شخصها، مع أنها قالت الشيء الذي يقره علم الاجتماع والدين، ويشهد عليه الواقع وتؤيده نتائج الحياة، أو محن الحياة، كما أن تبييت الشر أعماهم وغفا على أفئدتهم، فلم يتبينوا كلام المرأة جيدًا، والذي دعت فيه الطبيبات أن يخترن وينتقين التخصص الذي يلائم أوضاعهن، ويناسب حياتهن، ولا يتعارض مع مصالح البيت والحياة، أي أنها لم تأمرهم أن يتركوا التعليم، ويخاصموا التفوق، ويهجروا الحياة ويقبعن في البيوت جاهلات غافلات.
لكنهم قمعيون متسلطون لا يحترمون رأي الآخرين لأنه يخالف أهواءهم.
إن مجرد ذكر كلمة (البيت) تسبب لهم هيستريا غريبة، يفقدن معها توازنهن في التقييم والتعبير والتفهم، فيسارعن للاتهام والفجور في الخصومة.
ما في هذا الكلام، وما العيب في منطقه الرزين العاقل، الذي يحفظ على الأسرة سعادتها وهناءها، ويوفر للبيئة سلامتها ورشدها الذي يحتاجه المجتمع ليخرجوا للحياة أسوياء أقوياء بفضل أمٍ تابعتهم وربتهم واهتمت بهم؟!
إن كلام المرأة يشهد بعقل راجح، ووعي ناضج، وقبل هذا يشهد بوطنية عظيمة أقوى حتى من وطنية هؤلاء الذين هاجموها إن كانت لهم أصلا وعي بمعنى الوطنية، فالمرأة التي تحرص على التربية، وتفضل مكانتها على كل مكانة، تدرك بعمق حاجة المجتمع والوطن لهذه التربية، التي تعد اللبنة الأساس في رقيه ونموه ونهوضه.
إن قلمي اليوم يشد من أزرها، ويعاضدها في محنتها أمام هؤلاء الهمج، الذين يقتلون كل قيمة في حياتنا، ويتطاولون على أصحاب العقول الراجحة، ويريدون أن يحرموا المرأة من سعادتها الحقيقية في بيتها، بل يريدون حرمان الوطن من سبيل ازدهاره.
صرنا في زمن تنقلب فيه الحقائق والموازين، وينتصر الباطل فيه على الحق، فالدكتورة شيرين أعلنت صرختها المدوية: (فيه مليون طبيب هيعالج الناس لكن مفيش مليون أم هتربي ولادك مكانك) فكانت معيبة مخرفة تكالب عليها الذئاب والضباع من كل جانب.
لقد جاء صوت العقلاء يردد ما قالته: " آي حاجه قدام ولادك مالهاش أي معنى..
ولا مليون نجاح يساوي ابن محتاج حضنك، محتاج توجيهك، دعمك، ثقتك، ولو مش هاتقدروا تضحوا عشانهم وتشوفوهم أهم أولوياتكم ماتتجوزوش ولو اتجوزتم متخلفوش!!"
لقد انتصرت المرأة للفطرة الإنسانية، وانتصرت للحياة السعيدة، وانتصرت للوطن الذي ينشد مستقبلا كريما، أما الفيمنست الملتاعين، فأولى بهم بدلا من أن يردوا على المرأة ويسخطون عليها، أن يذهبن إلى أقرب المصحات النفسية، يعالجن فيها عقدهن المفرطة، التي خرجت بنا عن طريق الاستقامة، وجعلتنا نعيش في مجتمع مضطرب متأزم بسبب غياب المرأة، ودورها الحضاري في بناء الأفراد، وتهذيب الجيل.. وهي أعظم رسالة أدركتها الإنسانية منذ بدء قيامها.