المرأة حساسة جدا، وظنانة جدا، ووسواسة جدا.. ولديها هاجس نفسي يحدثها دوما، قابع في ربوع قلبها يحاورها باستمرار، وهو منافق جدا، وكاذب جدا.. فلا يحدثها إلا بما تظنه، ولا يوافقها الا في كل ما تريد، ويؤكد لها كل ريبة تسيطر عليها.
لا يعرف معنى الأمانة، ولا يفرض حسن الظنون، ويظل يغريها وينافقها، حتى تظن نفسها من أهل الكشف والإلهام، وأن لديها إحساس صادق لا يخيب، وتتخيل أنها يمكن أن تقرأ صفحة الغيب، ويظهر لها ما وراء الحجب، وتتجلى هذه الأوهام أكثر ما تتجلى بالخصوص، مع زوجها إذا شكت فيه، أو رجلا أحبته، وكان من ذوي المواهب، وله جمهوره من المعجبين والمعجبات.
تتحول حياة المرأة وقتها إلى حالة من الهوس والجنون، حين تفسر كل نسمة وهفوة على أنها ملحمة غرامية تدبر في الخفاء، وحب ناشئ بينه وبين غيرها، أو أنه إعجاب تؤكده وتفضحه كل ملامح وجهه وتصرفاته.
تتشدق دوما فتقول: إحساسي لا يخيب.
او تقول: قلبي دايما بيقلي.
وياسواد السواد لو أنه جامل إحداهن يوما بكلمة رقيقة ومجاملة راقية.. لتقوم بعدها كل عواصف الوجود.
والحقيقة أن أغلب هذه البوعث من فزع نفسها أن توجد من تحتل مكانها في قلب رجلها، ولا علاقة لها بأي كشف أو إلهام واصطفاء، إنها غيرة مزمنة متأججة متفاقمة، تتصل اتصالا قويا بالخيال، وتعقد معه علاقة ود ووئام، فيقبل عليها الخيال كما تقبل عليه، لينسجا معا أروع وأبهر قصص الوهم والخرافة، التي تؤولها بأنها رسائل إلهية، وومضات روحية، او أنها امرأة مكشوف عنها الحجاب.
وليت الأمر يقف عند هذا الحد، فتعتقد نفسها من أصحاب الكرامات وتنتهي القصة، لكنه تجتهد دوما وتشمر عن ساعد الجد، لتحاول إثبات ووجود هذه المنحة الربانية، والالهام الخارق، فلا تفسر اي شي في حياة الرجل، الا بأنه وراءة ميل لامرأة أخرى، لتتحول الحياة إلى محنة وأزمة لا تطاق.
يحكي احد الموهوبين العباقرة، وقد أصيبت زوجته بداء الهاجس، بأن حياته تحولت إلى نكد مستمر، وجحيم لا ينتهي، خاصة إذا وجدت شعرة على جاكتته، لتكون مصيبة عظيمة، مع أنها يمكن أن تكون شعرتها هي.
فرضت عليه رقابة صارمة على تليفوناته، وكانت تفتح خطاباته، حصار بشع كان يقودها دوما أن تتهمه بأشياء لم يفعلها.
ويوما ما كان نائما، فانهالت عليه باللكمات ضربا وصفعا، فلما استيقظ مفزوعا سألها مالك فيه ايه؟ قالت له: حلمت إنك مع واحدة غيري.
ولا شك أن المصيبة هنا قد اتسعت وتفاقمت حينما تدخل الحلم مع الغيرة والظن، ليصير مثلث رعب، يؤكد للمرأة صدق حدسها.
نسيت أن أقول: (بعض النساء) بلا تعميم حتى لا تظن ظانة أنني أهاجم المرأة.