منذ أيام كتبنا مقالا عن ذلك الممثل الذي بكى زوجته حرقة على فراقها حين وفاتها، لكن بعض الكرام لم يعجبهم أنني قدمت هذا النموذج في مثل هذا الموقف الإنساني، حتى لا يكون قدوة للناس وهذا حقهم، فحياة الممثلين بها بعض الشوائب التي تسوء حياة الأسوياء، لكنهم نسوا أن هذا الممثل قبل كل شيء فهو إنسان ينتسب للإنسانية، وله علينا حق الإنسانية.. لقد ذكروا كيف أنه يحتضن النساء ويقبلهن، ومن ثم اعتقدن أنه بهذه المعصية فإنني أدنس قلمي بمجرد الحديث عنه.
فما دام مخالفا للشرع، فليس من حقه حتى أن نعامله معاملة إنسانية.
ولكن منهجي طيلة حياتي والذي أستلهمته من قيم ديني، أن أطلب الحكمة أيا كان موضعها وأيا كان مصدرها، حتى ولو كانت من كافر أو فاسق أو علماني ملحد.
إن ديني يفرض علي أن لا أنسى معاني الإنسانية، وأن أنشد الخير في نفوس البشر على اختلاف طبائعهم وأديانهم.
فالإنسانية عامل مشترك بيننا جميعًا، وفي إحياء معانيها ضرورة ملحة لتستمر الحياة على منهج التراحم بين البشر.
أرأيتم إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يذكر ابنة حاتم الطائي فيقول: "إن أباها كان يحب مكارم الأخلاق" رغم أنه ليس مسلم ومات في الجاهلية.
بل قال صلى الله عليه وسلم: "إن أصدق كلمة قالها الشاعر: كلمة لبيد: ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطلُ" متفقٌ عليه. وذلك حينما قالها في الجاهلية قبل إسلامه
ومعنى ذلك أن كل عملٍ لا يراد به رضا الله فلا خير فيه وهو إلى زوال.
ونحن نعلم قوله كذلك في حلف الفضول وكيف لو أنه دعي إلى مثله اليوم للبى واستجاب، وهو حلف قام على نصرة الضعيف المغلوب قبل الإسلام.
لقد كان النبي إذن يستحسن من أمور الجاهلية وأقوالها ما يدعو إلى الخير والبر والإحسان إلى الإنسان.
وعليه فإذا صدر من أحد من الناس لا يروقنا سلوكه وطريقه موقف محمود، فعلينا أن لا ننكر شيئا من الخير والسمو قدمه، وصار فيه مسار الإنسان الرحيم المنكسر.
لقد قرأت اليوم لإحدى الصديقات وهي تروي من حياة الممثل الفنان صلاح نظمي الذي أحب فتاة أرمنية واسمها" أليس يعقوب " وحاول أن يتقرب منها ليلفت نظرها، لكنها نهرته بشدة، فذهب لعملها فوجد شقيقها فطلبها منه، وبالفعل تم الزواج سنة 1951 _ بعد أن أشهرت إسلامها واختار لها اسم " رقية نظمى" وعاش معها
11 عام وأنجب منها ولدهما الوحيد حسين
بعد مرور 11 عام أصيبت زوجته بمرض أقعدها الفراش، وحرص صلاح نظمي على خدمة زوجته القعيدة على كرسي متحرك، لمدة ثلاثين عاماً كاملة، رافضاً أن يتزوج غيرها، وكان ينفق معظم الأموال التي يتقاضاها من الأعمال الفنية على علاجها ومرضها، ولم يمل يومًا لطول مرضها، وقد عرضت عليه زوجته الزواج كثيرًا فكانت تقول له: " اتجوز لكي تعيش بقية حياتك " ، وكان رده عليها دائماً لو أنت عضم في "قُفة" مش ممكن أتجوز عليك أبدًا ، أنا بحبك.
واستمر على هذا الوضع حتى توفاها الله في بداية 1990 - وبعدها دخل في حالة من الاكتئاب الشديد أثر وفاة حبيبة
عمره، وينقل بعدها بفترة قصيرة إلى المستشفى، ويظل لشهور في العناية المركزة حتى فاضت روحه إلى بارئها في 19 ديسمبر عام 1991م.
الموقف طبعا لا يحتاج إلى شرح أو تحليل ، لكن يكفي أن أشير إلى كل معترض فأقول: لقد أسلمت المرأة وتسبب زوجها في إسلامها.. فهل تعرفون ما معنى هذا؟ بل هل تعرفون ما مدى ثواب هذا عند الله سبحانه؟!
إن أحدهم يقضي حياته كلها في ظلال الإسلام خادما طائعا، لكنه لا يرتقي أبدا لأن يسلم على يديه رجل أو امرأة على غير الملة. فماذا نقول لمثل هذا إذن؟