قد العلامة الراحل د. محمد رجب البيومي مقارنة بين توفيق الحكيم ويوسف إدريس على هامش ما أثار كلاهما من لغط ومعارك مع العلماء في القضية الشهيرة حديث مع الله لتوفيق الحكيم، وما تبعها من تجاوزات يوسف إدريس في حق العلماء فقال ما نصه:
"الفرق بين الرجلين بعيد؛ فالأستاذ الحكيم مثقف ضليع له قراءاته في الفن والأدب والفلسفة، وميزانه الراجح في قضايا النقد الأدبي، وكل ما يؤخذ عليه أنه اقتحم حمى لم يؤهل له، وهو حمى العقيدة التي تتطلب دراسات عميقة في الكتب الدينية المعترف بها.
أما الدكتور يوسف إدريس فموهوب في كتابة القصة القصيرة وحدها، ولا شيء غير ذلك، وقد ظن أن انتشار قصصه يتيح له أن يتكلم في كل موضوع، وأن يكون رجل فكر رائدا؛ فأخذ يتطاول عللى العلماء، وعلى كثير من المقررات الثابتة دون أدلة ما، بل كلمة من هنا وكلمة من هناك"
لعلي في هذه القضية الساخنة أقدم كلام العلامة البيومي، ليكون المظلة التي تقيني من لسع المخالفين، او كالقبة الحديدية التي تحميني من راجماتهم الصاروخية.
هذا هو المعنى الذي تناولته قديما وتحدثت عنه كثيرا ورأيت لساحة الأدبية تعج به، وكم نبهت ونصحت وبينت وحذرت كثيرا ممن لهم باع في الصحافة والأدب وطالبتهم بالتوقف عن الفكر والولوغ في عالمه، فليس معنى أن أحدهم أمسك بالقلم وصار له جمهوره ومريديه، أن يتخيل أنه يستطيع الكتابة في كل شيء وفي كل علم، أشاهد كثيرا من كتاب الروايات والقصص القصيرة، وعدد كبير من الصحفيين وهم يأتون بالمبهرات العجيبة حينما يزين لهم الخداع العقلي، فيخرجون من خيمتهم التي عرفوا به، ليفضحوا أنفسهم في العراء حيث يشاهد الناس جهالاتهم المضحكة.
قلت كثيرا للأدباء: حدد مسارك ابتداء، هل أنت أديب أم مفكر، هل أنت صحفي أم مثقف، لا يمنع أن يجتمع الأمران معا في صاحب قلم، وكل حسب اجتهاده، لكن قوما لا باع لهم في الفكر والعلم ، كيف يتخطون حدودهم، ويتعدون أطوارهم، وبنفس القلم الذي يكتبون به الرواية والقصة يكتبون في قضايا الفكر والعلم ويحكمون فيها.؟
خرجت علي متفلسفة مرة لتقول: وما الأديب إلا من أعظم المفكرين، فكل ما يخطه ويجسده في روايته إن هو إلا فكر، وتلك مغالطة بعيدة عن إطار ما أتحدث فيه، فكل إنسان حسب منطقها يمكن أن نصفه بنه مفكر، حتى اللص المحترف الذي يخطط ويدرس لعملية السرقة التي يريد تنفيذها، فهو بهذا التخطيط والتجهيز يمكن أن نعده مفكرا.
لكنني حينما أتحدث عن قضايا الفكر فأقصد العلم والوعي والفهم المبني على دراسة وقراءة وتخصص وباع طويل في قضايا الإنسان والحياة والدين والمنطق والفلسفة ومختلف العلوم التي تؤهله ليفتي ويتكلم ويبين ويحكم ويقوم.
حالة يوسف إدريس هي بكل صراحة ووضوح حالة كثير من أدباء هذا الجيل، تجده روائي جيد وقصاص موهوب، لكنه حينما يحشر نفسه في قضيا الفكر بلا باع له فيه، يتمثل لي في هيئة المهرج الذي يريد أن يعجب الناس به، لكنه يتناسى أنهم يضحكون عليه.
نعم يُضحكون الناس عليهم، حينما يظنون أنهم يبدعون كما يبدعون في الأدب والرواية، ولكنه ظن واهم يضر بهم قبل أن ينفعهم.