أستاذ في كلية الآداب يعمل بالفلسفة ويضج بالغرور الكبير، ويرى نفسه من فرسان الحداثة وقادة التنوير، مع أن هذه الألفاظ قد انكشف عوارها وصارت بالية لا يستخدمها إلا كل فارغ مهووس.
الرجل يتخيل نفسه ابن رشد الذي يفهم مالا يفهمه الناس ويعرف دقائق ما خفي عنهم، وأنه يجاهد الظلاميين على طريقه فيلم المصير الخائب التلف.
أو يتخيل نفسه نبيًا قد بعث في قبائل الجهالة، وأن عليه نضالا كبيرا لمواجهة التخلف والرجعية، تماما نفس التصورات الخرقاء والخيالات المريضة التي تغنى بها من قبله كثيرون، فلم يورثونا إلا الوهن والتخلف الحقيقي والظلام الذي يزعمون أنهم خصومه.
الرجل لا يرى له عدوا في الحياة إلا الأزهر الشريف، ولا يمر عليه شهر وربما أسبوع حتى يظهر ذلك على صفحاته، حتى بلغ به الحقد والجور يومًا فوسم طلاب الأزهر الذين جاؤوا لنيل الدراسات العليا في كلية الآداب، بأنهم الجرذان التي فرت من الأزهر والقرآن، وجاءت إلى كلية الآداب لتعيا بجهلهم.
وكلما سمع اسم الأزهر بين الحين والحين، تراه كمن لدغته حية أو عقرب مسموم، فيطلق لسانه بالخرف المفضوح الذي لا ينم إلا عن كره دفين.
احترت في أمره كثيرا، لماذا هذا البغض العنيف للأزهر الشريف حصن الشريعة ومعقل الدين، وماذا يريد الرجل من مصير للأزهر؟
هل يريد من الدولة أن تغلقه وتسرح شيوخه وبعد ذلك سنرى النور يسطع في الأفق، والعقول تسارع إلى الرشد؟
إن مما يحزن أن طوائف من الجهلة يلتفون حول هذا (الخرف البغيض) وكلما نطق بحرف رأيتهم يهللون ويكبرون ويصرخون من أعماق قلوبهم إعجابا وتيها وكأنهم يستمعون إلى أشعار النابغة الذبياني أو طرب أم كلثوم.!
أيها الرجل المتوهم إن هناك ظلامات كثيرة في حياتنا وجه إليها سهامك وغضباتك، أما الأزهر فهو مهد النور ورائد الحكمة، وصرح الفقه، ومنبر الرشد، هو حاضن القرآن والناطق بالسنة الشريفة.
اذهب في كثير من الأخاديد سترى ما يفزعك من ضروب الجهالة، لتكون أمامها الفارس الذي يحاربها ويقوَّم اعجواجها.
لا تقترب من الأزهر حتى لا نكويك بلسع الكلمات.. لأن الكي آخر الدواء لو كنت ممن يعقلون.
كنتُ كل مرة أقرأ فيها كلامه، أتعجب ويتدحرج الغضب إلى سن قلمي، فأسارع لأمسك نفسي عنه وأردها عن دحره، لكن الأمر يتفاقم ويتزايد، فلم أملك إلا أن حذفت صداقته حتى لا أفسد مزاجي كل حين بذلك الهراء.. ويعلم الله أنني غالبت نفسي على هذا، فقد كنت أتمنى أن أفيقه بكلمة، وأعلم أنه لن يستفيق، لأن الهوى إذا غلب وملك فلن يهتدي العقل إلى شيء.
واشهد للحق فوق هذا انه رجل طيب كما يبدو أحيانا لكن ما يفعله يجعلني ساخطا عليه غاضب من طرحه.