قالت لي: كانت هناك امرأة قد حارت في زوجها الشارد عنها، والذي صار وجوده في حياتها كالعدم.
موجود في البيت، لكنه في نظرها كأي قطعة من قطع الأساس الموزعة في الأركان.. لا تفاعل لا كلام لا روح لا مذاح لا مشاركة ولا مغازلة.
كان تعيش في ضيق من هذا التغافل الذي يشبه هجران موحش كئيب، وإذا داهم المرأة من زوجها شعور الغربة، فإنها لا تشعر بمعنى الحياة، بل تشعر بعذاب يفتك بأسباب السعادة التي تنشدها وتطمح إلى وجودها الذي يفرح قلبها.
بيت تكللته سخب الخرس، وانطفأت فيه شعلة الحب والأنس والمشاعر.. لم تستسلم لهذا الزوج الذي غابت روحه عنها، وراحت تنشد العلاج هنا وهناك.
سألت وعرفت أن هناك حكيمة من الحكيمات، تقضي بحلولها في مشكلات الناس التي تصلح من حياتهم وتهدي طبائعم، أيقنت وتوسمت أن تجد عند هذه الحكيمة علاجا لهذا الزوج، الذي إن جلس في البيت فإنه لا يجالس إلا هاتفه، يتصفح ويقرأ ويشاهد، حينما وجد فيه حقيقة الاستغناء عن الزوجة والبيت ومعاني الدفء التي تنشدها فطرة الإنسان، وطبيعة الرجل.
لم تشأ الزوجة أن تتذمر، أو تثير معه معركة، أو تظهر أمامه شيئا من غضبها وضيقها، لأنها كانت عاقلة تدرك أن أي رد فعل منها، قد يؤزم الحياة أكثر وأكثر، ويزيد الظلام والوحشة في البيت أكثر وأكثر.
وعزمت أمرها أن تذهب لهذه الحكيمة عسى أن تجد لديها الحل والرشاد.
جلست أمام الحكيمة التي استمعت لها بكل إنصات، وتوقعت منها أن تقول لها: افعلي كذا وكذا، أو تعطيها حجابا أو سحرا يقلب موازين الزوج، لكن الحكيمة كان لها ملمح آخر وفلسفة مغايرة، تريد أن تُلهم المرأة كل معانيها.
قالت لها: سأحكي لك حكاية قصها علي أبي قديمًا.
قال أبي: كانت هناك زوجة تشكو هجر زوجها وقلة اهتمامه بها، فلم يكن يجلس معها أو يحاورها، أو حتى يشعر بوجودها، ومن ثم ذهب إلى حكيم تسأله الحل وتنشد عنده ترياق الهجر، فرد عليها الحكيم بعد أن استلهم علتها قائلا:
لن أجيبك عن الحل حتى تأتيني بشرة من جسد أسد.!
وهنا لا نقول: يا للعجب بقدر ما نقول: يا للهول.!
شعرة من جسد أسد؟
ومن يطيق أن يستل شعرة من جسد هذا العتي الفتاك، إن مجرد رؤيته والنظر إلى عينه، تثير الرعب في النفوس، فكيف تقترب منه امرأة ذات الحس المرهف والقلب الضعيف، حتى تسرق شعرة من جسده المخيف؟!
لكن المرأة كانت ملتاعة، وعزمت على خوض المخاطرة، وذهبت إلى حدائق الحيوان، حيث يجلس الأسد في قفصه أسيرًا، وطلبت من السائس إن كان يستطيع أن يستل لها شعرة من الأسد، لكن الرجل أعرض ورفض وخاف، وقال لها:كل ما أستطيع تقديمه لك، أن لا أمنعك من طلبك شريطة أن تذهبي أنت وتأخذي ما شئت من الأسد، ولا أتحمل ذنبك إن حدث لك مكروه.
ظلت المرأة أياما طويلة تراقب الأسد، وتترصد أحواله، متى يكسل، ومتى يقوى، ومتى يحار، ومتى يغضب ومتى يزأر، وكيف يجوع، وكيف يعيش، وكيف يجلس وكيف يسترخي وكيف يتعامل، وأخيرًا وهو الأهم متى وكيف ينام.؟
وحينما تيقنت من ساعة النوم، بعد هذه الأيام الطويلة في المراقبة، أقدمت بخطواتها نحو الأسد بكل حذر، ومدت يدها بكل قوة، وسحبت غايتها فالتقطت تلك الشعرة التي طلبها الحكيم.
فرحت كثيرًا وسعدت بنشوة، وأيقنت أنها لم تلتقط شعرة أسد، وإنما التقطت إكسير العلاج.
ولما مثلت أمام الحكيم وأظهرت له شعرة الأسد التي طلبها.. نظر إليها الحكيم وقال: اذهبي عني أيتها الحمقاء، كيف بامرأة تستطيع أن تأتي بشعرة أسد، ولا تستطيع أن تعيد زوجها إلى أحضانها.؟!
نعم لقد أرادت المرأة الحكيمة أن تصب كل اللوم على الزوجة، التي لو فكرت قليلا في بعض مواهبها وقدراتها كأنثى، أن تبهر هذا الزوج، وتعيده إلى عالمها، وتفك خرسه وصمته بمهاراتها وما تتقنه من فنون التجديد في الحياة، قدمي لزوجك كل يوم جديدًا في حديثك وطعامك وملبسك، وفكاهتك ومرحك، كوني عاقلة تارة، ومجنونة تارة أخرى، ارتمي في أحضانه، أشعريه دومًا بعاطفة ملتهبة، اجعليه ينظر إليك بأي طريقة تعرفين.
ساعتها فقط.. سوف تتساقط سحب الكآبة من بيتك، وتنزاح كلاكل الهموم من حياتك.