إذا أردت أن تكون كاتبا ناجحا فابحث دوما عن الخطاب الإنساني والقصة المأساوية، التي تخاطب العقول، وتدغدغ المشاعر، وتلمس الحس وتستجلب الدمع، وتستدعي الشجن.
بهذا السبيل تنجح في اجتذاب جنهور يقدر كتاباتك، ويعلي قلمك، ويوقر طرحك.
من الممكن أن تكون كاتبا في أي مجال من المجالات، ويقتضي المقام أن تكون كتاباتك جامدة صلبة، لكنك لو استطعت أن تغمس سطورك بلمسة إنسانية لكان لما تكتبه شأن آخر.
هل علمت لماذا أحب الناس عبد الوهاب مطاوع، وجعلوا منه الكاتب المحبب والقريب إلي قلوبهم، وكانوا ينتظرون قصته في بريد الجمعة بفارغ الصبر؟
ذلك لأنه رائد الخطاب الإنساني في الصحافة المصرية، ومازالت كتبه إلى الان لها بريق السحر والجذب، حتى وإن قرأتها ألف مرة فلت تملها أو تمجها، لأنها حملت اللمسة الإنسانية التي يخشع أمامها القلب والوجدان.
كذلك من فن المقال أن تقدم فيه الحديث أو القصة الإنسانية علي كلامك، فبعضهم يقدم أو يعلق علي قصة إنسانية ويظن أنه يقدم لها ببلاغته وفصاحته، ولكن ذلك خطأ، فمهما كنت بليغا صاحب بيان، فإن القصة الإنسانية أسرع إلى القلب من فصاحتك، حتى ولو كانت مكتوبة بأسلوب عادي مجرد من كل المحسنات البديعية.
كان الدكتور عبد الرحمن السميط رحمه الله يصدر مجلة الكوثر التي كان يحكي فيها القصص واللمسات الانسانية التي كان يلاقيها في رحلاته الدعوية في إفريقيا، وكنت امسك كل عدد منها فأراه محشودا بالقصص الإنسانية التي تمس القلوب وتجعل أي متبرع وأي رجل أعمال او أي محسن من المحسنين، يسارع بأمواله لتكون بين يدي الدكتور السميط فيسخرها في مثل هذه الأعمال الإنسانية المبهرة.
يحكي الاستاذ حامد دنيا في حديث عن الصحفي الكبير علي أمين فيقول: "فى ١٤ من سبتمبر سنة ١٩٥٥ حدث لاول مرة زلزال فى القاهرة استغرق أكثر من دقيقة وكانت نتيجته سقوط سور مدرسة الظاهر الابتدائية للبنات ، مما اندفعت معه البنات - وكلهن في عمر الزهور - الى الشارع هربا من الموت .. الامر الذى أدى الى مصرع ١٤ طفلة !
ونشرنا الحادث كباقي الصحف في اليوم التالي ١٥ من سبتمبر ١٩٥٥ ولكن على أمين كعادته الأبوية معنا ، ثار ثورة عنيفة وهو ينتقدنى وكنت قد تركت القسم القضائى وأصبحت محرر شئون التعليم . قال لى: أين القصة الانسانية ؟
وكالمايسترو أو المخرج شرح لى الدور المطلوب.. وذهبت ومعى محرر الحوادث الأول فى ذلك الوقت كامل الدغشى، وطفنا على بيوت الضحايا فى حى باب الشعرية وشارع الجيش والعطوف ، وكلها أحياء شعبية! اضطررنا أن نتحايل على الامهات اللائي كن يرتدين الملابس السوداء ويصرخن !! إننا مندوبو الشئون
الاجتماعية ، جئنا لعمل بحث اجتماعي عاجل لصرف التعويضات السريعة! وهكذا استطعنا أن نحصل على صور التلميذات الضحايا، مع قصص أمهاتهن الثكالى! وعدنا الى الاخبار فى الحادية عشرة مساء !
وكانت المفاجأة أن علي أمين ينتظرنا فى مكتبه ، ومعه عثمان لطفى سكرتير التحرير المشرف على صفحات الحوادث واستمر يعمل معنا حتى دارت الماكينة فى الواحدة صباحا، وصدرت الأخبار في يوم ١٦ من سبتمبر ۱۹٥٥ بالمانشيت الأحمر عن الزلزال بعنوان « أمهات الضحايا يتكلمن ، وقد سجلت قصة انسانية مثيرة وكانت ضربة صحفية كبيرة، وكان يوما لا أنساه"