نهاريَ مظلمٌ كالليلِ ...
ليلي يقتلُ الأحلامَ
أحلاماً فأحلاما
فيهِ تُقلّبُ الصفحاتُ
دونَ تغيّرٍ
في الوقت
أو طعمِ الهواءِ
أو الجدارِ الجانبي
بجانب اللاشيء
خلف حديدِ قضباني
أمامَ عيونِ سجّاني
وأحضنُ
في ثنايا الليلِ نفسي
كي أدفّىء
ما تبقى من شعورٍ
يحفظُ الإنسانَ
في نفسي
هو نفسُ ذاكَ الصمتِ...
نفسُ الشخصِ
يحرسني
كأني لم أكن حرّاً
كأني ابن هذا الموتِ
وقت ولادة الأنوارِ في عيني
ينحتني ويصنعني غياباً
لا أحِسُّ ولا أحَسُ
***
يصاحبني خيالُ الطفلِ
في عقلي، ويصنعُ ألفتي
شوقٌ إلى أيامِ
ما كنّا فراشاً
تركضُ الأحلامُ فينا
مثلَ نهرٍ لا يكلُّ ولا يملّ
من العبور إلى السماء...
من السماء إلى الفضاءِ
من الفضاء إلى القضاءْ
***
في ظلِّ هذا الموتِ
ينقذني تردّدُ صوتِ أمي ...
وجهُ أمي ...
حضنُ أمي...
عطرُ أمي ... وابتسامتها
وكأس الشّايِ والنعناعْ
وصحنُ الزّيتِ والزيتونِ
تحتَ ظلالِ داليةٍ،
فيا أمي...
ظلامُ السجنِ أَنساني
وجوهً كنتُ أحفظها
فلمْ يبقَ
بداخلِ قلبيَ الحجريّ
غير عيونك
اللاتي حَمينَ
صغارَ آمالي.
***
ألا يا أيها السجّانُ
إنك حارسٌ للطينِ
لا الأرواحْ
حبستَ الطين
في جسدي
ولكن حرّةٌ روحي
تزورُ شتائل الرّيحانٍ
في بستان ماضينا
وفي أحضانِ حاضرنا
وفي أيام قادمنا
فعمر القمح
أطولُ في بلادي
من حضارتكم
ومِن قضبانِ سجاني
***
ألا يا أيها السّجانُ
هذا السجنُ
-رغمَ ظلامه-
أرضي
ويكفيني
بأن السجنَ
فوق تراب أجدادي،
وبين هواء أولادي
وتحت سماء أحفادي
فروح الأرضِ أملكها
وقلبُ الأرض يملكني
فلا قلبٌ بلا روحٍ
ولا روح بلا قلبٍ
فثانينا لأوّلنا
وأَوّلُنا هو الثاني