خاطرة تلدغني بين الفينة والأخرى ،هجسٌ يداعبني بين اللحظة وأختها .. ماذا لو أصبحت رجلا؛ ولملمت كل هرموناتي الانثوية وتخليت عنها لمدة عام واحد فقط حتى أعيش تجربة فريدة من نوعها وأقشع همّا وكربا غار في خلدي منذ سنون طوال .. سأصبح رجلا .. سأخضع لتدريب مكثف بدراسة علم الرجولة ، وفقه الفحولة ، وثقافة البطولة .. سأدفع الأموال الطائلة والمبالغ الباهظة لأغيّر هويّتي وأنسلخ من شرنقتي الهشة وأنطلق من قارورتي الضيقة وأصبح رجلا .. سأشحن نفسي بطاقة الرجال وأتعطّر بعطر الأشبال وأغلّف هالتي بشيم الزعامة والقيادة .. سأتخصّص في شعبة الرجل الشرقي .. دون عن غيره ، سأقوم بالتّمعن في فهم طبيعته و التّبحر في خباياه وخفاياه المبطّنة بداخل قريحته الثائرة .. سأتعلّم كيف يتناول طعامه ويلبس ملابسه وكيف يخوض معترك الحياة بفأسه الجسور .. سأتعلم كيف ينجذب ويعجب ويقع في مصيدة الحب و عندما يدخل القفص وينجب عصافيرا صغيرة ، وكيف يبني عرشه ويعمّر أسرته ويحمي عائلته من أهوال الأيام .. سأتعلّم كلّ هذه الأدوات وأحترفها بمهارة حتّى أسوغ من نفسي صبغة من كينونة الرجل الشرقي .. سأشق طريقي بنظرته الثاقبة في السّياسة والمجتمع والدّين والمرأة .. ولا سيما المرأة ؛ فلن أكون متشحم الفكر والعقيدة ضد المرأة ، أو متسلطا وذو سطوة متعجرفة عليها ، أو أكون متجبرا قاسيا أٌحرّم وأٌحلّل ما يروق لي عنوة عنها .. أو أغرس بمخالبي الشرسة في لحمها الطّري لأتلذذ برجوليتي المتصنعة عليها .. أو أحجب عنها ضوء الحياة حتى أستشعر بقوتي وهيبتي .. أو أمارس عليها أعرافا وتقاليد بائدة للبيئة المتخلفة التي انتشلت منها حتى أتفنّن بشعور الهيمنة .. لن أكون كذلك ؛ بل سأكون كقاسم أمين نصيرا للمرأة حليفا لها داعما لدورها مناشدا لمكانتها .. سأكون رئيفا بها وودودا عليها وشاعرا لماحا أتغزّل بحسنها وعبقها كالمبدع نزار قباني وسأغوص في السياسة سأقرأ عنها وأتضلّع فيها وأبني جمهرة من الرجال يؤمنون برسالتي لبناء الدولة وأرشح نفسي وأقود شعبا كاملا يتسم بالعزة والحرية والكرامة، وألغي منهجية الطائفية كعراب لبنان رفيق الحريري .. وأعمر أرضي وأحرث تربتي وأشيّد العمران والمباني والخدمات الصحية وأطبق العدالة الاجتماعية كالزعيم حبيب بورقيبة .. وأتّعظ من نفحات التاريخ وأستشهد بالشخصيات العربية العريقة ومجد البواسل العظام في عمار الأمة وتحريرها من العدوان كصقر ليبيا عمر المختار .. ولا شك سأمتلك قلبا شامخا بالعروبة والصمود لا ينحني قلمي أمام عواصف الظلم والسّكون كالملهم محمود درويش .. سأؤمن بالوحدة العربية والقومية الشرقية وأجمع العرب كلهم في ساحة قصري وألقي عليهم خطابا حازما بعنوان "لديّ أمل" أعبر فيه ببلاغة مفرطة وفصاحة مفعمة عن رغبتي وإرادتي بإيماني الجارف الذي يكتسح وجداني بشمل العرب جمعاء ؛ كلغة واحدة ورب واحد وعملة واحدة والبداية واحدة والنهاية أيضا واحدة .. سألجم بخطابي الأفئدة والألسنة ؛ سأكرس هذا كما فعل الأسطورة جمال عبد الناصر .. سأرفض التمويل الخارجي والمساعدات الدولية واستيراد الصناعات الغربية واتبع منهجية المقدام صدام حسين وأكثف المصانع لصنع السيارات والقطارات والطائرات والصواريخ والأسلحة .. ولن أركع لعبارة "النفط مقابل الغذاء" بل سأسس برنامجا جديدا يحمل عبارة "لكم دينكم ولي دين" ..
حتما ؛ لو أصبحت رجلا سأكون رجلا خسرته الأمة يوما ما !