"كان يُنصت في هدوء، يراقب المشهد كمن يحضر مسرحيّة هزلية كُتبت بعناية لتجعله الجاني، حتى قبل أن يُمنح فرصة الدفاع عن نفسه. يُقال إنه تغيّر، إنه لم يعُد كما كان، وإنه -ببساطة- قد خذلهم. لم يصرخ، لم يُكذِّب، لم يبرِّر، بل اكتفى بابتسامة خافتة، كأنه يشيّع آخر ما تبقى من الوهم.
لقد أرهقوه بتوقّعاتهم، بالغوا في استنزافه، ثم حين قرر أن يُنقذ نفسه، صار الجاحد، صار القاسي. لم يكن قد تغيّر، بل كان قد شُفي. شُفي من الحاجة لأن يكون مُرضيًا، من اجتراح الأعذار، من كونه الحائط الذي يستندون عليه بينما يدفعونه للسقوط.
وقف للحظة، تأملهم جيدًا، ثم بخطى ثابتة، ابتعد. لم يُدر ظهره فقط، بل أدار الصفحة بالكامل، تاركًا لهم متّسعًا ليكملوا القصة بدونه."