أما وقد فتحتَ باب العدم، فدعني أُحدّثك عنه…
فالعدم ، ليس نفيًا للوجود،
بل هو اللحظة التي تسبق التكوين،
والأرض التي يُبذر فيها السرّ،
وما بين العدمين… ليس خواءً كما تظن،
بل امتحانٌ لمعنى الكرامة، وابتلاءٌ في الوعي، وكشفٌ لمعدن الروح.
تقول: "لا نستحق بين العدمين شيئًا"،
وأقول: بل بين العدمين تتجلّى رحمة المستحق،
فمن أوجدني بعين إرادته، ونفخ فيّ من روحه،
أيتركني أنزلق في فكرة أنني لا أستحق؟
أهذا ظنك بمن قال: "ولقد كرّمنا بني آدم"؟
يا من كتبت بحروف النار لتُطفئ بها جمرة الغيرة،
اعلم أن من يرى الاستحقاق كِبرًا،
فهو لم يُجرّب الانسحاق في الحبّ،
ولا مرارة العطاء بغير كفٍّ قابضة.
أنا لم أقل: أنا خيرٌ من أحد…
بل قلت: أنا كفى.
كفى وجعًا، وكفى اختباراتٍ متنكرةٍ في صورة مشاعر مؤجلة،
كفى صبرًا على غيابك، وتسليمًا بأن صمتك حكمة.
أما إن كنتَ رأيتَ في سكوني اعتراضًا،
فراجع قراءتك لوجعي، لا نيّتي،
واعلَم أن النار التي تخشاها…
كنتُ أنا أول من احترق بها، ولم أُلقِ عليك اللوم.
فإن أردتَ محاكمة "الاستحقاق"،
فابدأ بنفسك…
واسلها: لماذا منحتك روحي، ولم تُعِد لي سوى فلسفة؟