لما رآها شاردة، تتناثرُ كلماتُها بين الرجاءِ والصمت،
كانت تسجدُ فلا تدري…
أكانت تُصلّي أم تهمسُ باسمه؟
نظرَ إليها بقلقٍ وقال:
"أُحبِّي هَوْنًا هَوْنًا، فالعشقُ إن زادَ أَحْرَقْ."
تمنّت لو تستطيعُ…
لكن الهوى كانَ أقوى من الأمنيات،
والولهُ صارَ قيدًا يلتفُّ حولَ القلبْ،
فلا فكاكَ، ولا نجاة.
لم تكن تُحِبُّ فقط،
بل كانت ظلًّا يُلازمُه،
عينًا تراقبُهُ بقلق،
حلمًا يحنو على طفولتِهِ التائهةِ…
لكنَّهُ لم يمنحْها سوى الغيابْ.
عاقبها بالصمت، بالعتمة، بالفراغ،
كأنَّهُ أرادَ أن يُهذِّبَ عشقَها،
حتى لا يُغرقَها يومًا…
أو لعلَّهُ كانَ يخشى أنْ يَغرقَ هو.
وحين عاد بعد أعوام،
لم يكن للحبِّ أن يخبو،
لكنه وجدَ في قلبِها زاويةً هادئة،
يستكينُ فيها، دونَ أن يشتعل.
سامحَتْهُ… كما تفعلُ القلوبُ النقيَّةُ دائمًا،
لكنهُ لم يلبثْ،
جاءَ كظلٍّ عابرٍ، ملأ الأيامَ بوهجٍ قصير،
ثم غابَ كما جاء.
عندما عاد،
وجدَ القلبَ كما كان،
كأنَّ السنواتِ لم تتركْ أثرًا،
أو كأنَّ الوجعَ لا يملكُ ذاكرةً.
والآن… يقفُ الصمتُ بينهما،
هو لا يعلمُ كم خذلَها،
وهي لا تعرفُ كيفَ تُحدِّثُهُ عن خَيبةٍ،
أكبرُ من أن تُقالْ…
أو كأنَّ العشقَ… يُتقنُ لعبةَ الفقدِ أكثرَ من الحضور