مرَّ العمرُ فوق سطورٍ كوّنتها كلماتٌ ظنَنّا أنها على قَدْرِ الشعور، إلى أن جاء الشعورُ الفعلي، فضحكنا حتى أحرقت عبراتُ العينِ الحائرة تبسُّمَ الثغور.
كيف كتبتُ عن الخوف قبل أن يُغمضَ أبي عينيه في غفوة أخافَ ألّا يعاودَ فتحَهما بعدها؟ كيف تجرّأتُ على وصفِ الحزن وأنا التي مات أبوها أمامَ عينيها على مدارِ عامٍ، كلَّ يومٍ مرة؟ من أين لي بمعرفةِ الفقدِ قبل أن أفقدَ من كان يذكرني في يومه خمسَ عشرةَ مرةً إن كنتُ بعيدةً عنه، وإن تلحّفتُ بحبِّ بيته لا يسمحُ لي أن أبرحَ جوارَه؟
الغضب! كيف أكونُ جملاً تعبّرُ للحياة عن مدى كرهي لها قبل أن تغادرَ روحُ أبي جسدَهُ المنهكَ أمامَ عينيَّ؟ يدايَ، الأولى تمسكُ يدهُ ترجوه البقاء، والثانيةُ تربّتُ على صدره تعتذرُ له عمّا بدرَ من المرضِ قبلَ ذهابه.
الشوق! آه من الشوق! فيمَ كنتُ أفكّرُ وأنا أكتبُ عن شوقي قبل أن أشتاقَ إلى قبرِ أبي كلما نهشَ الحنينُ صدري الذي لا تهدأُ عواصفُ حنينه؟
لن أخطئَ مرةً أخرى وأتعجّلَ بالكتابةِ عن أشياءَ ليستْ في محلّها.
أمر آخر لن أفعله حتى وإن وقف الأحبة صفوف حولي، لن أكتبَ عن الأمان؛ الدارُ لم تعدْ أمانًا، غابَ صاحبُها وغابتْ ضحكته.