كنت لسه داخل البيت، الساعة كانت حوالي تلاتة الفجر. مخلص تحقيقات في قضية معقدة، وقلت آخد لي ساعة راحة قبل ما النهار يطلع ، يمكن ألحق أريح جسمي شوية.
ما لحقتش حتى أغيّر هدومي، لقيت موبايلي بيرن.
بصيت عليه وأنا مستغرب مين هيرن دلوقتي لقيته .. وكيل النيابة!
رديت، لقيته بيقولي بصوت مستعجل:
— انزل حالًا، في جريمة قتل حصلت في شارع جانبي من الحكمة، الشارع جنب محل عصير اسمه "جنة الفواكه".
هبعتلك القوات على ما توصل.
قلتله وأنا باخد مفاتيحي من على الترابيزة:
— حاضر يا فندم، نازل حالًا.
نزلت بسرعة، ركبت العربية، ودست بنزين على الآخر.
في عشر دقايق كنت هناك، رغم إن الوقت متأخر،
بس شارع الحكمة كان زحمة، الناس ملمومة حوالين مكان الجريمة، والعساكر بيحاولوا يبعدوهم
ركنت العربية على جنب، ونزلت جري.
لقيت شاب في أواخر التلاتينات، واقع على الأرض وغرقان في دمه،
ودكتور الطب الشرعي كان بيفحص الجثة.
بصلي وقالي بهدوء: — الجريمة حصلت بآلة حادة، ملهاش أثر في المكان،
بس آثارها واضحة جدًا.
والقتل تم من حوالي نص ساعة.
وأنا لسه بستوعب كلامه، جه عسكري بيجري ناحيتي وقال: — عرفنا هوية المجني عليه يا باشا.
بصيت له وقلت: — مين؟ من سكان المنطقة ولا من برّه؟
رد وهو بيبص ناحية محل العصير: — ده صاحب محل "جنة الفواكه"، واسمه سعد زايد.
وكمان محل الفاكهة اللي جنبه بتاعه،
بس مأجره لواحد اسمه سيد حسنين.
بصيت تاني لدكتور الطب الشرعي وقلتله: — انقل الجثة على المشرحة حالًا، وعايز منك تقرير شامل.
قال:
— حاضر يا باشا.
ساعتها بدأت أبص حوالين المكان،
المحلات كلها مقفولة، والدنيا هادية إلا من صوت الناس اللي واقفة، الشارع اللي اتقتل فيه كان ضلمه جدا
ملقتش كاميرات غير واحده في الشارع الرئيسي تبين الشارع اللي اتقتل فيه بس من بعيد وكانت فوق محل حلاق
ش
قلت لنفسي: "ممكن لو فرّغنا الكاميرا دي، نعرف مين دخل وخرج من الشوارع الجانبية في وقت الجريمة."
وأنا بفكر، لقيت ست كبيرة جاية تجري،
شكلها في الخمسينات، وشها مصفر وبتصرخ:
— ابني فين يا بيه؟!
قولي إن دي إشاعة!
محدش قتله، صح؟!
ابني بخير؟!
قلبي وقع، حسيت بيها،
قربت منها وقلت بهدوء وحزن: — البقاء لله يا حجة.
ابنك توفى، بس أوعدك إننا هنجيب حقه.
انهارت وبدأت تعيط بصوت عالي،
مسكت فيا وقالتلي: — لازم تعرف مين اللي قتل ابني يا بيه!
دمه مش هيروح هدر… سعد كان طيب،
مكسرش بخاطر حد، والكل بيحبه!
قلت لها وأنا بحاول أهديها: — إن شاء الله، هنلاقي اللي عمل كده.
بس هو أبوه فين؟
قالت وهي لسه بتعيط: — أبوه مات من خمس سنين،
وسعد هو اللي كان بيصرف عليّا،
هو وابن عمه… ربنا يكرمه ويجازيه خير.
بصيت للست، وقلت لها بهدوء:
— تمام، أنا محتاج أعرف منك شوية معلومات عن ابنك… حاجات ممكن تساعدنا نوصل للحقيقة.
تعالي معايا القسم نكمل الكلام هناك.
لفيت وناديت على واحد من العساكر وقولتله
— خليك هنا، وأول ما محل الحلاق ده يفتح، هات منه تسجيل الكاميرات… ضروري جدًا.
وناديت على عسكري تاني وقلت له:
— لف في المنطقة، واعرفلي كل حاجة عن المجني عليه… اسأل الجيران، صحابه، أي حد يعرفه.
سيبتهم، وخدت أم القتيل معايا وطلعنا على القسم.
أول ما دخلنا، طلبت قهوة، وقعدت قدامها على المكتب.
بصيت لها وقلت بهدوء:
— أنا عايزك تحكيلي كل حاجة عن ابنك بالتفصيل.
كل حاجة حتى لو شايفة إنها مش مهمة… أي تفصيلة ممكن تساعدنا نوصل للي عمل كده.
قالتلي وهي بتمسح دموعها بطرف طرحتها:
— ابني يا بيه… مطلق، وعنده عيل صغير، لسه مكملش سنة.
معاه دبلوم تجارة، ومحل العصير ومحل الفاكهة اللي جنبه… دول ورثهم عن أبوه الله يرحمه.
سألتها باهتمام وأنا بكتب في الدفتر:
— طيب… وطليقته؟
علاقتها بيه بعد الطلاق كانت عاملة إزاي؟
سكتت لحظة، وبعدين ردّت وهي موطية وشها:
— طماعة يا بيه… عمرها ما رضيت باللي كان بيدهولها.
مع إنه والله كان كريم معاها…
كان بيديها أكتر من حقها علشان خاطر ابنه،
بس هي كانت دايمًا مش بتشبع.
رفعت عليه قضايا كتير، ومنعته يشوف ابنه…
ربنا ينتقم منها، كسرت قلبه.
الباب خبط، ودخل علينا العسكري ومعاه فنجان قهوة.
قال وهو بيمد إيديه:
— التقرير بتاع الطب الشرعي، اهو يا فندم.
خدت الورق منه، قلبت فيه شويه علشان أراجع التفاصيل،
ورجعت بصيت لأم المجني عليه، لقيتها تاني بتعيط.
قلت لها بهدوء:
— قوليلي يا أم سعد، مفيش أي عدوات بين ابنك وبين حد تاني؟
بصيتلي وقالت بصوت عالي، وكأنها بتحاول تصدق اللي حصل:
— أبداً يا بيه! مفيش أطيب ولا أحن من ابني، وكان كل الناس بتحبه.
قلت وأنا ببص في الساعة، وكأن الوقت بيجري:
— هو فين ابن عمه؟ ده الخبر موصلهوش ولا إيه؟
قالتلي بتوتر:
— مش عارفة يا بيه، أنا مشفتوش من كام يوم،
هو ساعات بيختفي كده، هو أصلاً شغال مع ابني في المحل.
بصيت في الورق مرة تانية، ثم رجعت أسألها:
— طب معاك رقمه؟
قالت وهي قلقانه :
— أيوه، معايا رقمه، بس على موبايلي في البيت.
أنا نزلت جري على طول لما لقيت عيل من الشارع عندنا بيقولي: "الحقي، حد قتل ابنك قدام المحل!"
ومخدتش الموبايل معايا.
قلت لها وأنا برجع أبص في الأوراق:
— طب ياريت تروحي دلوقتي البيت وتتصلي بيه، لازم يجي هنا علشان ناخد أقواله.
وتتصلي كمان بطليقته، ضروري نحقق معاها.
قالت وهي بتقف من مكانها:
— طب لو طليقته رفضت؟
قلت وأنا بشرب القهوة:
— لو رفضت، هنجيبها بطريقتنا. متقلقيش.