قال وهو بيعيط بحرقة:
ـ أنا مستعد أعمل أي حاجة يا بيه، أي حاجة، بس نعرف مين قتل سعد!
مديت له منديل من العلبة اللي على المكتب، وقلت وأنا بديله المنديل:
ـ طيب، قولي الأول اسمك وسنك.
مسح دموعه بإيده وكان بيرتعش وقال:
ـ محمد إبراهيم، عندي ٢٨ سنة.
بدأت أكتب في المفكرة قدامي، وسألته:
ـ عرفت إنك كنت شغال مع المجني عليه في المحل، صح كده؟
بصلي بنظرة حزينة، وقال:
ـ أيوه يا بيه، أنا بشتغل في المحل ده من زمان، من وقت ما كان سعد لسه طالب. لما عمي مات، كملت أنا الشغل، وسعد بعد ما خلص دراسته السنة اللي فاتت، مسك المحل معايا.
رفعت حاجبي باستغراب وسألته:
ـ بس في ناس قالت إنك مكنتش منتظم في الشغل الفترة الأخيرة، صح الكلام ده؟
رد وهوباين عليه التوتر:
ـ آه، كنت بسيب الشغل ساعات، بس علشان سعد يتعلم يشيل المسؤولية لوحده، يعني كنت بسيبه يتعود، مش أكتر.
ولّعت سيجارة، وسألته:
ـ بس مش المحل ده يعتبر ورث ليك كمان؟ ولا إيه؟
كشر وقال بنبرة حزينة:
ـ لا يا بيه، عمي قبل ما يموت كتب كل حاجة لابنه... كتب المحل باسمه، وقال ده حقه، وأنا مقلتش لأ.
قمت من على الكرسي ولفيت وراه ووقفت، حسيت إن لازم أغيّر زاوية المواجهة، وسألته بنبرة جادة:
ـ يعني ما زعلتش لما عمك عمل كده؟
اتنهد، وقال وهو بيحاول يبرر:
ـ زعلت شوية في الأول، بس بعدين قلت خلاص، هو حر في ماله.
رجعت تاني وقعدت قدامه، وقلت:
ـ طيب لما كنت بتغيب عن المحل، كنت بتروح فين؟
بص في الأرض، وصوته بقى أوطى:
ـ كنت بدوّر على شغل إضافي، في أي مكان... الحياة صعبة والمصاريف كتير.
قلت وأنا حاطط إيدي على كتفه كنوع من التعاطف:
ـ معاك حق، بس ليه تدور بره مادام عندك شغل ثابت؟
رد بتنهيدة طويلة:
ـ علشان كنت ناوي أخطب، وكنت محتاج أزود دخلي. المحل مش بيكفي.
سألته بهدوء:
ـ طب ولقيت شغل تاني؟
هز راسه وقال بزهق:
ـ كنت ببدأ، بس مكنتش بكمل أسبوع. الشغلانات كانت صعبة ومش مناسبة.
نظرت له باستغراب:
ـ ليه يعني؟ إيه اللي مش مناسب فيها؟
قال بضيق:
ـ كل مرة سبب... ساعات المعاملة، وساعات المواعيد، وساعات الراتب ضعيف.
رجعت لمكاني وفتحت الملف، وقلت:
ـ طيب يا محمد، خليني أسألك بوضوح... كنت فين وقت وقوع الجريمة؟ بالتحديد، امبارح الساعة ٣ الصبح؟
هنا وشه اتغير، وتوتره زاد، وقال بسرعة:
ـ كنت في البيت، نايم.
نظرت له مباشرة في عينيه، وسألته:
ـ في حد ممكن يشهد إنك كنت في البيت؟ مين عايش معاك؟
مسح عرقه وقال:
ـ لا يا بيه، أنا عايش لوحدي... أمي وأبويا متوفيين من زمان.
سألته وأنا بكتب ملاحظة:
ـ طيب، أبوك سابلك ورث زي ما عمك ساب لابنه؟
ضحك بسخرية وقال:
ـ لا يا بيه، ساب ديون! أنا كنت بدفع فيها سنين.
سكت لحظة، وبعدين سألته بهدوء:
ـ في رأيك، مين ممكن يكون له مصلحة يقتل سعد؟
هنا، عيونه لمعت وكأنه افتكر حاجة مهمة، وقال بسرعة:
ـ آه! سيد، الراجل اللي كان مأجر محل الفاكهة اللي جنبنا. اتخانق مع سعد الأسبوع اللي فات، والناس فصلتهم بالعافية. كان هيضربه، وهدده قدام الكل!
رنيت على الجرس، وجه العسكري، فقلتله:
ـ تمام يا محمد، تقدر تمشي دلوقتي. ولو احتجناك في أي وقت للتحقيق، لازم تيجي على طول.
محمد وقف، وبصلي بعينين مليانين حزن، وقال قبل ما يخرج:
ـ حاضر يا بيه... ربنا يرحمك يا ابن عمي، لسه صغير على اللي حصلك ده.
بصيت للعسكري وقولتله، وأنا بقلع الجاكيت: "جبت بقية المشتبه فيهم؟"
قال لي: "الفكهاني وطليقته بره يا أفندم، بس الست اللي سكنا فوق المحل خبطنا، لكن محدش فتح."
قلت له: "تمام، دخلي طليقته."
دخلت بنت شكلها صغير، ما كملتش ٢٠ سنة، قصيرة وبيضا، وعنيها زرقاء، ملامحها ما كانتش باينة عليها الزعل، لكن الصدمة كانت واضحة على وشها. البنت كانت هادية بشكل غريب، لدرجة أنني ما قدرتش أميز إذا كانت مستعدة تعترف بشيء ولا خايفة من شيء أكبر. أكيد كان في شيء مريب ورا للهدوء ده .