السُّجودُ… حيثُ تُرمَّم الأرواح وتُبعث القلوب
السجودُ ليس مجرّد انحناءٍ للأرض…
بل ارتقاءٌ للسماء، من موضعٍ لا يُرى،
هو اللحظة التي تتخلّى فيها عن زيفك، عن ثباتك المُزيّف،
وتذوب، كشمعةٍ انحنت طوعًا، كي تُنير الطريق لنفسها.
في السجود…
تُفتَح في القلب نوافذ لا تَفتحها الكلمات،
وتصير الدموع لغة،
والصمتُ دعاءً،
والأرضُ حضنًا أوسع من كل منفى.
هناك، في حضيض الأرض،
تتكشّف السماء داخلك.
ترى الله بعين القلب، لا بعين الفكر،
وتحسّ أن القرب ليس مسافة… بل انكسارٌ مُطمئن،
كأنك تُلقي بنفسك بين يدي ربٍّ لا يُفلت،
تقول له: “خذني، فما عدت أحتمل هذا التشظّي.”
كل ما تبعثر فيك…
من صمتٍ مُرّ، وحنينٍ مهجور، وخوفٍ كامن،
ينزل معك إلى السجود…
ثم لا يقوم.
تقوم وحدك…
خفيفًا كأنك غُفِرتَ،
نقيًّا كأنك لم تُذنب،
كاملًا كأنك لم تُكسر يومًا.
أما الطفولة…
فقد كانت أوّل صلاة، وإن جهلنا الركوع والسجود،
كُنا نهمس بأحلامنا ونحن نحدّق في سقف الغرفة،
ونُسمّي ذلك يقينًا.
لم نكن نعرف أسماء الله…
لكننا كنا نعرف أنه لا أحد سواه يسمعنا إذا بكينا ليلًا بصمت.
السجودُ إذًا…
هو الرجوع إلى تلك الطفولة،
لكن بقلبٍ نضج من البكاء،
وعقلٍ تشكّل من الخذلان،
وإيمانٍ صار أصلب من كل حائطٍ احتميت به ولم يُنقذك.
السجود…
هو لَمّ شتاتك تحت عرشٍ لا يهتز،
وهو أن تُعيد ترتيب فوضاك في حضرة الله،
وتخرج… لا كما كنت، بل كما يُحبّك هو أن تكون.