يمكن للطائرات أن تسافر عبر العالم لآلاف الكيلومترات، إذ تسافر الطائرات عبر السماء في كل مكان تقريبا وفي جميع الأوقات، ولكن إذا كنت تشاهد خريطة مباشرة لحركة الملاحة الجوية العالمية، ومررت بقارة آسيا، فستلاحظ أن هناك منطقة شاسعة على اليابسة لن ترى فيها وجوداً لأي طائرة، جميع طائرات العالم تتجنب هذه المنطقة الضخمة وتذهب في طريقها للتحليق حولها، فما السبب؟!
#التبت .. المنطقة التي تخلو سماؤها تقريبا من الطائرات
هضبة التبت (Tibetan plateau) واحدة من أكبر الأراضي البور في العالم بعد القارة القطبية الجنوبية وشمال جرينلاند، وهي أقل مكان مضياف لعيش البشر في العالم بأسره والأقل كثافة سكانية.
تبلغ مساحة منطقة هضبة التبت ضعف مساحة فرنسا بخمس مرات، إلا أن عدد سكانها يقارب 14 مليون شخص فقط في البلدان السبعة التي تمتد فيها.
قلة قليلة من الناس يعيشون هناك لأن متوسط ارتفاع الهضبة يزيد عن 4500 متر مما يجعل هضبة التبت أعلى منطقة جغرافية في العالم، وقد استحقت بجدارة لقب "سقف العالم".
كانت هضبة التبت واحدة من أكبر العقبات في العالم أمام الطيران منذ عقود، وكانت أول محاولة واسعة النطاق للطيران فوق الهضبة خلال الحرب العالمية الثانية عندما احتاج الحلفاء آنذاك إلى نقل الإمدادات الجوية إلى الصين، ولكن بسبب تحليقهم فوق الجبال النائية، وبسبب ارتفاع هضبة التبت، واجه الطيارون مطبات هوائية شديدة للغاية، حيث تصل سرعة الرياح إلى 320 كيلومتراً في الساعة، ودرجات الحرارة باردة بما يكفي لتجميد الوقود.
فمع أحداث الطقس التي كان من الصعب التنبؤ بها، وعدم وجود مطارات طوارئ للتحول إليها في حالة وقوع حادث، شهد مسار الطيران هذا على مدى 42 شهرًا تحطم 594 طائرة وفقدان 1659 رجلاً في الجبال.
الأسباب التي جعلت من تحليق الطائرات فوق التبت خطر للغاية
اليوم، وعلى الرغم من وجود مطارات دولية حديثة بالقرب من المنطقة، مثل المطار الموجود في عاصمة التبت "لاهاسا"، إلا أن الطائرات تتجنب التحليق فوق منطقة التبت، ويعود ذلك إلى أربعة أسباب رئيسية، وهي:
1. خطر الاصطدام بالجبال عند مواجهة حالات طوارئ
يزيد متوسط ارتفاع هضبة التبت عن 14000 قدم ، وعادة ما يمكن للطائرات التحليق على ارتفاع 30000 قدم في حال عدم وجود مشاكل مؤكدة.
لكن في حالات الطوارئ الحرجة مثل انخفاض الضغط في مقصورة الركاب أو في حال حدوث عطل في المحرك، فإن بروتوكول شركات الطيران يقتضي النزول إلى ارتفاع 10000 قدم، وهو الأمر الخطر في منطقة فيها مرتفعات تزيد عن 10000 قدم، فمن المؤكد أن الطائرة ستصطدم بأحد الجبال.
(يمكن للطائرات التحليق على ارتفاع 30 ألف قدم - وتقتضي منها حالات الطوارئ النزول حتى 10 آلاف قدم وهو أقل من متوسط ارتفاع الجبال في التبت)
2. نفاد الاكسجين في مقصورة الركاب عند مواجهة حالات طوارئ
عند انخفاض الضغط في مقصورة الركاب لسبب ما تسقط أقنعة الأكسجين ليستخدمها الركاب للتنفس، ولكن هناك كمية محدودة من الأكسجين في هذه الأقنعة بيحث يزود الركاب بالأكسجين لمدة 20 دقيقة تقريبا، وهذا يكون عادة وقتًا كافيًا ليستمر الركاب في التنفس حتى تهبط الطائرة إلى ارتفاع 10000 قدم حيث يمكن استئناف ظروف التنفس الطبيعية.
من الواضح الآن أن هذا غير ممكن في أي مكان فوق هضبة التبت الشاسعة، والتي تزيد مساحتها عن خمسة أضعاف مساحة فرنسا لأن متوسط الارتفاع يزيد عن 14000 قدم، فإذا نزلت الطائرة إلى ارتفاع 10000 قدم حسب متطلبات البروتوكول، ستصطدم بجانب أحد الجبال.
3. عدم وجود مطار قريب للتحول إليه في حالات طوارئ
في حالات الطوارئ، فإن المطارات الدولية الوحيدة القريبة لتحويل الطائرات الكبيرة إليها هي لاهاسا، و جينينغ، و كاتماندو، و تشنغدو، و أورومتشي، وهذه المطارات كلها تقغ على بعد مئات أو آلاف الكيلومترات عن بعضها البعض.
(المطارات الدولية التي يمكن تحويل الطائرات إليها عند حالات الطوارئ - والتي تبعد مئات أو آلاف الكيلومترات)
في عام 2018، كانت طائرة في طريقها من تشونغتشينغ إلى لاهاسا عبر مسار يمر بهضبة التبت، كانت تحلق على ارتفاع 30000 قدم عندما انفجرت نافذة وانخفض الضغط في مقصورة الركاب، لكن لحسن الحظ، لم يكن الطيارون بعيدون جدًا عبر الهضبة، لذا تمكنوا من الالتفاف بسرعة والتحول إلى مطار تشنغدو لاجراء هبوط اضطراري في غضون 35 دقيقة من حدوث انخفاض الضغط.
وقد تحدث حالة طوارئ مثل هذه على مسافة أبعد عبر الهضبة، وعندها تحتاج الطائرة لوقت أطول للتحليق في الجو بدون أكسجين، أو أن تخفض ارتفاعها إلى 10 آلاف قدم وتتعرض لخطر الاصطدام بالجبال.
4. وجود مطبات هوائية عنيفة، وخطر تجمد الوقود
عندما تتحرك رياح سريعة عبر الجبل، غالبًا ما تأخذ الرياح نمطًا على شكل موجة، وعندما تطير الطائرات عبر نمط الرياح هذا ، يمكن أن تواجه مطبات هوائية شديدة مما قد يزيد من تعقيد أي سيناريوهات للطوارئ.
#طقس العربة