أتدري شيئًا عن الغيداء التي يحتسي المُترفون من محاسنها نعيم الخلود؟!
وكيف السبيل إليها؟
أما عنها، فهي سدرة الحُلم الذي ضنّ به الواقع وفرضته الحياة، القلب الباخع الذي خفض لمحبيه جناح الرجاء، وجعل من نبضاته معارج ليصعدوا عليها إلى ذروة أمانيهم دون مِراء، وأفنى أصحاب الكرامة أرواحهم في سبيلها، وقدموا العمر قربانًا دون ضجة رعناء.
هي زاد الراغبين، وسُقيا الراضين، ونعيم الخالدين، وخلود الصادقين، إنها #الحرية المتزنة الراسخة على أرض العقيدة، التي لا تمت للفوضى بِصِلَة، ولا للضرورة بشيء، هي الصيحة التي تستدعي الطاقات الخلَّاقة من مكامنها لتنطلق وتحيل العوائق والمحال والضرورات إلى أدوات تنهض بالحرية.
هي النعيم المشتهَى، الذي خص الله -عز وجل- به أهل الجنة حين قال:
وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (21)
فقد أكمل الله لهم سعادتهم، وأتم عليهم فضله ونعمته بمنحهم حق اختيار النعيم وحرية اشتهائه.
كما أن كل شيء نبت في هذه الحياة وتنفس كان أصله المحبة، والمحبة التي تأتي تَكلُّفًا الزوال بها أولى؛ لأن النفس تأنفها وترغب عنها، سواء كانت هذه النفس مُكلّفة أو مستجدية، ولن تصمد أو تدوم، فلنمنح ذواتنا وغيرنا حق العزة والحرية لنحصل على أشياء حقيقية سمتُها الوفاء.
الله ـ جل في علاه ـ لم يُكرِه عباده على دينه في الدنيا، فقال سبحانه:
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99).
(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ...)
أما عن السبيل إليها؛ فعليك أن تكون أنت، أن تُسقط الدنيا في يديك، فتملك الحياة لا أن تملكك، أن يتحرر القلب من كل عائق يستحوذ عليه جدًا جدًا حتى يملكه، فيسقط في الدرْك الأسفل من الهوان، ولا تقوم لصحوته قيامة أبدًا!
أن تفعل ما تريد وقتما تريد، وكيفما تريد طالما الله في قلبك، واليقين قِبلتك، والأخلاق مذهبك، والبر يقيمك، والإحسان يصحبك.
وأنت رائع..
حين خُضت الجهاد الأعظم في معركة الحياة، جهادك مع قلبك لتحرره من العوائق، والعوالق، والأنداد الذين ينازعونه في محبته لربه، فيردهم على أعقابهم بخُفَّيّ الخيبة والحسرة؛ لأنه أشد حبًا لله.
أنت رائع..
حين وهبت الدنيا قدرها الذي تستحقه فأحبت لقاءك.
وكان عبورها في نفسك هينًا، فلم يخامرك أريج إقبالها النفّاذ، ولم يحْنِ هامة قلبك هزيم إدبارها المضني... فطابت لك الحياة.