رأي الشيخ محمد أبو زهرة في توريث البنت التركة كاملة إذا انفردت بها دون أخ يعصبها عند الشيعة الجعفرية :
بداية أنوه إلى أن الشيخ أبا زهرة رحمه الله كان قد أفرد قضية التوارث عند الشيعة الجعفرية بمؤلف مستقل عنوانه " الميراث عند الشيعة الجعفرية "
و قبل الولوج إلى هذه القضية ، يقول الشيخ في كلام من ذهب كعادته :
" يجب أن تدرس آراء الشيعة كمذهب مستقل قائم بذاته كمذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله ، ولسنا نحاول بهذا أن نقرب الناس إلى الشيعة ، إلا أننا نقرب الشيعة إلى الناس ، فنحن ندرس ثروة فقهية ليست ملكا لأحد ، ولانحاول في هذه الدراسة أن نرجحها على غيرها أو نرجح غيرها عليها ، إنما ندرسها كما فكر الذين ارتأوها مبينين وجهة نظرهم ماوسعنا البيان ..
ياله من احترام للرأي الآخر كان مصدره !!!
لكم أنفقنا من أعمارنا في جدليات لاطائل من ورائها ، ومحاولات تقريب ذهبت أدراج الرياح ، وماأسفرت إلا عن مزيد من التناحر والشقاق ، أو على حد تعبير الشيخ " ليس فيها جدوى علمية "
ثم يقول قولة خالدة " نحن نريد أن ننتفع بالآثار الفكرية التي خلفها المتخاصمون من غير خصومة"
يا الله على الفقه حين يصدر عن عقل واع وفكر يحسن تدبر العواقب والمآلات .
علينا إذن كمتخصصين أن نحترم صاحب كل توجه فكري ونقدمه للناس بحيادية وموضوعية تامة ، لأن وظيفة العالم ماهي إلا البيان والبيان فقط "
ودعوني أعود إلى قضيتي :
مما استرعى انتباهي في معالجة الشيخ أبي زهرة رحمه الله للمسألة ، وبعد أن عنون لها بعنوان بارز : أن اكتفى بعرض وجهة نظر الشيعة الجعفربة فقط ودون مناقشة لرأيهم ولا مقارنة بينهم وبين الجمهور ولاترجيح
ولكنه بدأ كلامه بقوله:
" مما تميز به ميراث الإمامية عن الميراث في فقه أهل السنة أن البنت إذا انفردت تأخذ الميراث كله ، كما ان الابن إذا انفرد يأخذ الميراث كله …"
ومع أن عبارة الشيخ تبدو محتملة وليست قاطعة في بيان موقفه من هذه القضية ، ولكني أستطيع أن أجزم بأن الشيخ بهذه العبارة " ومما تميز به … " يؤيد وجهة نظر الشيعة في توريث البنت التركة كاملة إذا انفردت كالولد .
بدليل أن الشيخ في الكتاب نفسه وقبل هذه الصفحة بصفحات قليلة ، ذهب يعرض لوجهة نظر الشيعة في الوصية للوارثين -التي أخذ بها القانون المصري كما أوضحت في المنشور السابق - ثم رفضه ورجح جواز الوصية لوارث على أن تكون بإجازة الورثة في القليل والكثير ، معللا بأن هذا الرأي هو الأحفظ لمصلحة الأسرة والأبقى للمودة والأقرب إلى العمل بكتاب الله واحترام فرائضه…
فهذا التصريح من الشيخ بعدم ترجيح رأي الشيعة في الوصية يؤكد أن قوله" ومما تميز به ميراث الإمامية عن الميراث في فقه أهل السنة …" هو رأيه واختياره في هذه المسألة .
والسؤال : ولماذا إذن لم يصرح الشيخ برأيه ؟
أقول ببساطة : كما لم يصرح الشيخ محمد عبده برأيه في أن شهادة المرأة تعدل شهادة الرجل حتى في الشهادة على الأموال ، وكما لم يصرح الشيخ شلتوت برأيه في أن المرتد لايقتل مادامت لم تقترن ردته بالمحاربة ، وغير ذلك كثير ..
وقد كان يلجأ هؤلاء الإصلاحيون إلى هذا الأسلوب صونا لأعراضهم وخشية رميهم بالإلحاد والزندقة وربما الحكم بإهدار دمهم لاسيما في مثل هذه القضايا التي شاع فيها الحكم بالإجماع ، في مجتمع تجرع الجمود حتى الثمالة ، وياليتهم سلموا !!!