من استفتاءات الصفحة :
تقول السائلة : حاولت أن أقرأ كتبا كثيرة كي أعرف حقيقة التوحيد ويتعمق معناه في قلبي فزادتني حيرة وارتباكا، خاصة كتب الفرق فأكثرها يكفر بعضها بعضا ، وماخرجت بشيء
بل شككت في نفسي وإيماني …
بإيجاز شديد أقول للسائلة :
حقيقة التوحيد واضحة وضوح الشمس في القرآن الكريم، والسنة المشرفة ، ولكن الأبعاد الصراعية بين الفرق وماوراءها من تناحرات مذهبية ذات ظلال سياسية وطائفية انحرفت به إلى واد سحيق ، حيث ذهبت كل فرقة تدعي احتكارها لحقيقة التوحيد ، ومن امتلك حقيقة التوحيد فقد امتلك هذا الدين ، والباقون في ضلال ، أو على الأقل على خطر عظيم .
وقديما كره الأئمة الخوض في هذه القضايا التي تسمى بعلم الكلام ، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة حتى أثر عنه قوله : لاتجالسوا أهل الكلام وإن ذبوا عن السنة .
ومع ذلك أكثر غلاة الحنابلة من بعده من ادعاء امتلاك حقيقة التوحيد ، فهم وحدهم الموحدون ، أما من سواهم فهم من أهل الزيغ والضلال ، أو هم كفار مارقون ، وكذلك فعل غيرهم إلى أن تعقد علم التوحيد وخلا تماما من جوهره وسره وروحه ، وهو إخلاص العبودية لله عز وجل، والاخذ بأيدي الناس إلى هذه السبيل .
أعود فأقول : يكفيك أيتها السائلة لكي تعمقي حقيقة التوحيد في قلبك أن ترددي بوعي سورة الإخلاص موقنا بها قلبك " قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد"
فالله تعالى لامثيل له ولاشبيه ، وهو المتفرد بالكمال الأعلى المستغني بذاته عن خلقه
وإذا كان كذلك ،فهو الصمد الذي يصمد إليه وحده في الحوائج ،لامعطي لنا منع ، ولامانع لما أعطى ، ولاقابض لما بسط ولاباسط لما قبض .
وإذا استقرت هذه الحقيقة في قلب الموحد تحرر من كل عبودية وسلطان ، فلا يرى أحدا في الكون يملك من أمره شيئا.
فالكل عبيد له وتجري عليهم أحكام قدرته، وإن اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له ، وإن اجتمعوا على أن يضروه بشيء لن يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، رفعت الأقلام وجفت الصحف "
هاهنا ومع هذا اليقين يصل العبد إلى قمة التحرر الإنساني ، بالتخلص من كل عبودية لالجاه ولاسلطان ، ويصبح عبدا خالصا لمولاه المتفرد بالجلال والكمال الأعلى .
ويعين على تعميق حقيقة التوحيد في القلب : الوعي بالأسماء الحسنى ، وأنصحك بأن ترددي بيقين ووعي خواتيم سورة الحشر
بسم الله الرحمن الرحيم " هو الله الذي لاإله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لاإله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق الباريء المصور له الأسماء الحسنى يسبح لها مافي السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم "
ودعيك من علم الكلام والمتكلمين فما لجأ إليهم أحد ليصل من خلالهم إلى مولاه إلا زادوه رهقا .