جاء حديث فضيلة الإمام الأكبر الدكتور /أحمد الطيب اليوم عن قضية القوامة ، قوامة الزوج على زوجته ، وكأنه يمشك بمشرط جراح ماهر يدرك يقينا أنه لايكفي في سبيل الشفاء التام مما ألم بمريضه من داء، أن يستأصل الجزء العليل وكفى ،إذ لابد له من النفاذ بمشرطه إلى الخلايا الفاسدة ، منتجة هذا الداء الواحدة تلو الأخرى حتى يتخلص منها تماما .
فقبل أن يلج فضيلة الإمام في حديثه اليوم إلى بيان المفهوم الصحيح للقوامة ، عرج وبإلمامة سريعة على ماوقع فيه المسلمون قرونا عديدة من سوء تطبيق هذا المفهوم " القوامة " حتى غدا مفهوما مقبضا سيء السمعة ، يرتبط ارتباطا وثيقا بقهر الإناث لاأقول على الزواج كرها ، ولكن على العيش مع من يبغضن ، وإن تطلب الأمر جر من تتمرد منهن على عيشتها من بيت أبيها مكلبجة في يدها كاللصوص إلى مايسمى ببيت الطاعة ، أو إلى حيث تستذل كرامتها حتى آخر نقطة كرامة ، و قد صرح فضيلة الإمام بأنه ممن عاصر ذلك ، أو ربما عاينه بنفسه .
وأقول : لعل من الموافقات أنني في محاضرتي يوم الأحد الماضي لطلاب الدراسات العليا - بكليتي الحبيبة : الآداب جامعة طنطا - تحدثت عن مشهد رأيته في طفولتي الغضة ، لزوجة تجر كما تجر البهيمة إلى بيت المذلة هذا ، وسط صراخها وأهلها دون مجيب …
واستطردت أبين لطلابي كم بلغ أثر هذا المشهد في نفسي ، حتى إنه لم يبرح ذاكرتي وحتى الآن .
وأقول وربما كان هذا المشهد هو المحرك الحقيقي لي على أن تكون أطروحتى للدكتوراه في موضوع " عناية القرآن بحقوق الإنسان - دراسة موضوعية وفقهية -وقد تشرفت الرسالة وصاحبتها بإشراف فضيلة الأستاذ الدكتور على جمعة مفتي الديار المصرية آنذاك .
وحدث أنه قبل تسجيلي لهذا الموضوع بقليل وتحديدا عام ٢٠٠١ أن صدر لي مؤلف كامل بعنوان:
" قوامة النساء المشكلة والحل الإسلامي "
تحدثت فيه عن مشكلات سوء فهم القوامة في مجتمعاتنا وآثاره السلبية ، وتنبأت مبكرا بأن التعسف في استعمال هذا الحق من قبل الأزواج ، سوف ينتج عنه لامحالة سقوط قوامة الزوج على زوجته لتتولى الزوجة بنفسها هذه السلطة على الأسرة بأكملها ،
وكان هذا هو ماعنيته من عنوان الكتاب " قوامة النساء " الذي ربما يكون هو الكتاب الوحيد الذي يحمل هذا العنوان وحتى الآن .
وغير خاف على أحد أن هذا الذي تنبأت به قد حدث بالفعل ، بل وربما قد وصل إلى حد الظاهرة الآن ..
فهناك تبادل واضح في الأدوار داخل كثير من الأسر المصرية تحديدا ، و تراجع دور الرجل القوام داخل أسرته إلى درجة كبيرة ، بل وربما استراح بعض الرجال إلى هذا الوضع المعكوس ، وأصبحت الزوجة هي كل شيء في البيت ، وهذا في حد ذاته كارثة مجتمعية كبيرة وخطيرة .
المهم : بقدر ماسعدت بفتح هذا الملف بهذا الشكل الصريح جداااا ، على يد رأس المؤسسة الدينية في العالم الإسلامي كله : فضيلة الإمام الطيب حفظه الله ، بقدر ماحزنت من أعماقي حين تحدث فضيلته بما يشبه الإدانة لعقود طويلة مضت ، حكمت فيها العادات المتسلطة وبقايا أخلاق الجاهلية ، التي نسبت زورا وظلما إلى الإسلام ، وماهي إلا حمية الجاهلية والعرق الذكوري المتسلط الموروث …
وصرح فضيلة الإمام متأسفا كيف أن أحدا لم ينصف المرأة وقتذاك لامن أهل الفتيا ولامن أهل القضاء ..
وبعد ….فأشعر أن الألم يعتصر قلبي على سيدات عصور مضت ، ممن عشن هذه التعاسة ، حتى قضت الواحدة منهن نحبها وبداخلها أسئلة حائر ة لم تجب لها عنها هذه الحياة .. . ماذنبي ؟ وماذا جنيت ؟ وهل لم أخلق إلا لهذا الذي أنا فيه ؟ وهل فعلا لن أدخل الجنة إلا إذا دفنت إنسانيتي ورضيت بهذا القهر تحت مسمى الطاعة ؟ وهل لن يرضى الله عني إلا إذا رضي عني زوجي وإن كان جبارا ظالما ؟
وأنا هنا لاأدين كل الرجال في كل العصور ، فقد كان ولايزال يوجد رجال كثر يتقون الله في زوجاتهم ، ويفضل الواحد منهم أن يصاب في عينه ولاتصاب زوجته في ظفرها، نخوة ورجولةوديانة وأمانة .
وأقول : لاتوجد امرأة عاقلة ترفض قوامة مثل هذا الرجل بهذ الوصف عليها ، فالمرأة بفطرتها تبحث عن هذا الرجل القوام بكل ملكاتها .
ولو سألت أي فتاة سوية ماذا تحبين في شريك حياتك ، لقالت على الفور : أريد رجلا بمعنى الكلمة ، أشعر معه بالأمان والحماية والمسئولية ، وهذه هي القوامة في أبسط معانيها .
المرأة إذن بفطرتها تبحث عن الرجل القوام، فإذا وجدته أغلقت عليه عينيها ونامت في سلام حقيقي ..
ونحن لسنا مسؤولات عن المنحرفات بالفطرة ، اللواتي يعشقن دور الذكورة وصفاتها وهيآتها تحت دعوى المساواة التامة فيما مايز الله فيه بين الجنسين فطرة وجبلة ، لأن هذه لن تكون ونحن لانريدها .
#اد_زينب_أبوالفضل