الله على جمال الخريف في مصر !!
كم أعشقه …
نعم ، أعشق شمسه وهي تشرق بحياء ، خلف حجاب من السحب الرقاق ، وأعشق هذا الضباب الذي يلف الجو في الصباح الباكر ، فيختفي معه كل مايؤذي المشاعر ، ويعكر صفو العين الباصرة .
وأجمل مافي الخريف نهايته التي تبشرني بقدوم الشتاء ،بتخشعه واعتكافه وهدوء النفس فيه .
فأنا أعشق الشتاء بتناقضاته كلها ، أمطاره ورعده ،وبرودته ودفئه ، وليله الطويل ونهاره القصير ، هذه التناقضات التي تقطع عني الملل والرتابة وهذان أبغضهما غاية البغض .
ويكفي الشتاء جمالا أن ليله الطويل طالما وسع المتخشعين والمتهجدين والكتاب والشعراء والعلماء ، فجادوا علينا بنفيس إبداعاتهم ومصنفاتهم ، كما وسع نهاره عباد الله الصائمين فصاموه دون عناء، فكان من أقوال الصالحين التي قالوها في تمجيده " قصر نهاره فصاموه وطال ليله فقاموه " .
وأسوأ مافي الشتاء في رأيي نهايته ، لأنها تنذرني بقدوم الربيع .
نعم ، قدوم الربيع بعواصفه ورمده واستثارته لأمراض الحساسية بأنواعها ، التي تكتم النفس حتى الموت اختناقا - عافاكم الله -
حقيقة ، لاأدري لماذا أكثر الشعراء من التغني بالربيع ، واستجاب لهم - إمعة - الملحنون والمطربون !!!
ليسمح لي البحتري أن أصوب له هذا البيت من قصيدته المعروفة " الربيع "
الذي يقول فيه :
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا….
فأقول : أتاك ( الخريف ) الطلق يختال ضاحكا …
ولنعذر البحتري ، إذ ربما يصدق هذا الوصف على ربيعه في العراق أو في حلب بسوريا -حيث موطنه الأصلي -أما في مصر فلم يكن ربيعها يوما طلقا ولامختالا ولاضاحكا ، حتى وإن اكتسى بالورود وأينعت فيه الثمار …
وماذا يجدي كل ذلك مع رمد العين وسدة الأنف ؟
وحين لاأرى ولاأشم ، فبماذا أبتهج ؟
وبعد الربيع يأتي الحرووووور الذي هو الصيف بلهيبه وزهقه وقصر ليله ، وهنا يتوقف نشاطي - لأني لاأنشط لإنجاز أي عمل علمي إلا ليلا - ويمر الصيف دون أن أنجز شيئا فيشتد حزني ..
الربيع والصيف إذن بالنسبة لي ظلمات بعضها فوق بعض….
فاللهم أطل علي أمد خريفك وشتائك ، ولن أعدم من يتجاوب معي فيقول آمين .









































