حين يمن الله عليك بهذه الصحبة فسوف يتجسد أمام عينيك بوضوح قول الله تعالى " إنما يخشى الله من عباده العلماء "
فالخشية التي أودعها الله قلب العالم العارف تفيض عليه كله ، فتبصرها في صفحة وجهه وفي هيأته وفي منطقه وفي حديثه ، بل وفي مشيته وغدوه ورواحه ، فإذا بك تستشعر الخشوع وهو يمشي على قدمين ثم يسري إلى داخلك حتى يقشعر به بدنك…
أمام العالم بحق تبصر عن قرب حلاوة الجمع بين المتناقضات ، التي تتجلى بها حقائق الصفات..
فإذا أردت أن تبصر كيف يجتمع الجلال مع التواضع ، والهيبة مع خفض الجناح ، فاملأ حدقة عينيك بالنظر إلى عالم عارف ..
وإذا أردت ان تبصر كيف يخر الجبل الأشم حتى يتساوى بالأرض فانظر إلى عالم في حضرة شيخه أو من علمه ….
وإذا أردت أن ترى القلعة المنيفة وهي تتزيا بزي السهول الممهدة فانظر إلى عالم بين طلابه …
وإذا أردت أن تبصر المعنى الحقيقي للخشوع ، فانظر إلى عالم يجلس بين كتبه ومحبرته وهو خافض الطرف ، مطأطيء الرأس ،مرهف الحس ،ملتزم الصمت مصغي السمع .
وإذا أردت أن تبصر الابتهاج الحقيقي فانظر إلى عالم لحظة حصاده ثمار بحثه ، أو لحظة توصله إلى حقيقة كان يجهلها ، أو إلى نتيجة بحثية فتحت نافذة معرفية جديدة له أو لغيره من الباحثين ..
واذا أردت أن تعرف حقيقة الطرب فانظر إلى عالم يتجهز لرحلة علمية معرفية يطلب فيها العلم عن غيره حتى وإن كانت شاقة ..
لأن الرحلة إلى طلب العلم في وعي العلماء هي أحد أهم المصادر المعرفية الأصيلة التي يتزودون منها، وكم أضافوا إلى أنفسهم وإلى العلم بالمحاورات والمناقشات والمناظرات التي دارت بينهم وبين غيرهم من العلماء في رحلاتهم .
نعم ، أعرف أن من أتحدث عنهم قلة قليلة في هذا الزمان ، ولكنهم موجودون والبحث عنهم إنما يكون في أرض الكمون لا في أرض الشهرة ، وفي صوامعهم البحثية ومعاملهم ومختبراتهم لافي وسائل الإعلام وغيرها …
إنهم مصابيح الدجى ونجوم الارض اللامعة التي تتراءى لأهل السماء وإن غشيت عنها أعين أهل الأرض .