تقول لغتنا الجميلة: الحشمة : تستر وحياء ورزانة ووقار وأدب وتواضع .
وتحشم فلان تحشما ، يعني : تحلى بهذه الصفات ، وامرأة عليها الحشمة : يعني تجللها الحياء والوقار والأدب والتستر .
وقولهم افتقر فلان أو فلانة إلى الحشمة : هذا وصف لمن اشتهر بالجرأة والوقاحة ومابه يذم ويعاب .
فصفة الحشمة إذن لاتقف عند محددات العورة من الرجل أو المرأة ، أو عند حدود مايحب عليهما ستره من العورات ، ولكنها تشمل إلى جانب ذلك : التحشم في القول والفعل ونمط السلوك ، يعني : كل مايعكس أثر التحلي بالخلق والحياء على سلوك الإنسان وملبسه بل ومنطقه ومشيته .
وهذه اللفظة " الحشمة " وإن لم ترد في القرآن الكريم ، لكن ورد التحدث عن مشتملاتها ، حين نهى القرآن الكريم الجميع ذكرا كان أم أنثى عن كل ماينأى بهم عن التحشم والتأدب من قول أو فعل أو سلوك ، ويكفي أن نذكر هنا قوله تعالى" وقولوا للناس حسنا " وقوله تعالى " ولاتمش في الأرض مرحا " وقوله " واقصد في مشيك واغضض من صوتك "
يعني خفض الصوت تأدبا والتزام التواضع والحياء وخفض الصوت ، وكل ذلك آية الأدب والتحشم .
- ثم إننا نجد القرآن الكريم فيما يختص بقضية التحشم يتوجه بحديث خاص إلى المرأة ، لأن استقامة المرأة والتزامها الحياء والحشمة مظهرا ومخبرا ، سبب رئيس في تعديل السلوك المجتمعي ، فهي التي تربي المجتمع كله ذكورا وإناثا ، وهي التي بيدها كف المتلصصين من الرجال على العورات بالمضي قدما في هذه السبيل بالتزامها الحشمة .
فقد تحدث القرآن الكريم عن زي المرأة وأوجب عليها التستر حال خروجها من بيتها ولقائها الرجال من غير محارمها ، فعليها أن تغطي شعرها ، والجيب الذي هو فتحة صدرها ، وترتدي السابغ الساتر من الثياب ، ولاتفعل ماكانت تفعله النساء في الجاهليه اللواتي كن يغطين شعورهن، ثم يكشفن عن صدورهن ويرتدين مايبرز مفاتنهن ،أو ما يلفت أنظار الرجال إليهن عامدات إلى ذلك :
-ففي القرآن الكريم نصا " ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن "
- بل إن القرآن القرآن الكريم لينهى المرأة عن تعمد الضرب بالأرجل ، يعني الحذاء ونحوه مما يحدث صوتا لافتا بهذا القصد " ولايضربن بأرجلهن ليعلم مايخفين من زينتهن "
- كما نهى القرآن الكريم المرأة عن التحدث مع الرجال من غير محارمها بلغة فيها خضوع بالقول فيطمع فيها من في قلبه مرض
" إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا"
يعني كلاما طبيعيا لايغري بالطمع أو بالارتياب .
- وكذاك نهت السنة المشرفة المرأة عن التعطر بالرائحة الملفتة حال خروجها من بيتها بهذا القصد .
وبذا يتضح أن المرأة المسلمة ليست مأمورة في سبيل التحشم بغطاء الرأس فقط ،
، فغطاء الرأس ماهو إلا مجلى ومظهر للتحشم الداخلي قولا وفعلا وزيا ومنطقا ، ومن هنا صح تسميته بالحجاب لغة ، فمن معاني الحجاب : الستر والمنع ،والحاجب هو الشخص الذي يحرس المكان حتى لايصل إليه اللصوص والمفسدون .
فكأن ارتداء الحجاب يفترض فيه أن يكون عاصما للمرأة من عبث المتلصصين من متبعي العورات .
فالعلاقة بينهما إذن - التحشم والحجاب-يمكن وصفها بالعلاقة التلازمية ، فيلزم من الاحتشام التحجب والعكس.
-كما أن المرأة ملتزمة بالتزام الآداب العامة التي يلتزمها الرجل من غض البصر وخفض الصوت وأدب القول والسلوك -كما سبق - فهذا كله من التحشم والتحجب ، إذ الآيات في السلوكيات التي هي انعكاس للخلق والحياء ، لم تفرق في ذلك بين الرجل والمرأة على الإطلاق .
يترتب على هذا البيان: أن وصف المرأة بالمتحشمة أو بالمتحجبة لمجرد وضع غطاء الرأس على شعرها ، دون التزامها بآداب التحشم لايكفي لالغة ولافقها .
فالحجاب والتحشم كلاهما أعم من ذلك وأعمق معنى ومغزى .
وعليه :
-فالمرأة التي تغطي شعرها ولكنها ترتدي مايكشف عن مفاتنها ومواضع الإثارة منها، ليست متحشمة ولا محجبة بالمعنى الذي قدمنا .
- والمرأة التي تغطي شعرها ، ولكنها تحرص على استمالة قلوب الرجال إليها بطريقة كلامها أو بنظراتها أو حتى بعطرها قاصدة ذلك ، هذه ليست متحشمة ولامحجبة.
-ومثلها من تتحدث مع الرجال الأجانب عنها بلاحواجز أو بصوت عال وضحكات رنانة تحت دعوى أن فلانا هذا مثل أخي ، فهذه ليست متحشمة وإن ارتدت غطاء رأس يصل إلى قدميها .
- والمرأة التي ترتدي بنطالا ضيقا أو حتى واسعا ثم تجلس في مجالس الرجال واضعة إحدى قدميها على الأخرى ، فتتحدد منها مناطق يجب سترها تحت دعوى الإتيكيت ، هذه ليست متحجبة ولامتحشمة ولاتنتمي إلى عائلة الإتيكيت ولاتعرف شيئا عن قواعده .
بل إنني أمقت مثل هذه الجلسة في أية تجمعات على الاطلاق ، نسائية كانت أم رجالية ، وأراها تفتقد إلى أدنى درجات الحياء ، والحياء آية الإيمان والأدب معا .
وقد علمت أن من بين بروتكولات النظام الملكي في بعض الدول غير المسلمة ، مايحظر على نساء البلاط أن يجلسن هذه الجلسة تحشما.
والخلاصة هي أن المرأة المسلمة مطالبة بالتحشم أو بالتحجب سلوكا ومنطقا وهيئة ومشية ولباسا .
والحجاب ليس غطاء رأس وكفى ، ولكنه مجلى للحياء والتأدب والتحشم والوقار والتقوى ، ومن على غير هذه الصفة لايصح وصفها بالمتحشمة أو المتحجبة لالغة ولافقها .