لاأعتقد أن هناك متعة في هذه الحياة تعدل أن يكون لك ركن صغير في بيتك على ملكيتك الخاصة ، تأوي إليه وحدك للاستمتاع بالقراءة .
وقطعا أنا لاأقصد بحال تلك القراءة الكترونية الحديثة ، التي لاتعدو أن تتابع فيها بلحظ عينيك أطراف أناملك ،وهي تحرك في لحظات خاطفة عشرات الصفحات بلمسة واحدة لمحركات البحث ، بعد أن تكون قد مررت على ماجهزه لك قراصنة التكنولوجيا من عشرات الإعلانات التجارية ، وأخبار نجوم المجتمع ، والدعايات الكاذبة والتفاهات والمثبطات الخ
قطعا أنا لاأقصد تلك القراءة الكترونية الحديثة فلست من جيلها ،وإنما أقصد الكتاب الورقي الذي ذهبت وربما سافرت لتختاره أنت بنفسك لنفسك ، ثم وضعته بين أرفف مكتبتك بعناية،بعد أن اشتريته بنفيس مالك ، ولايمكنك أن تعي مافيه جيدا إلا وأنت تحمله بكلتا يديك وتحتضنه بين ترائبك ، ثم ترهف إليه سمعك وتفتح له عين قلبك ولب عقلك ،يعني تقبل عليه بكلك حتى يعطيك بعضه ….
أعلم انني سأجد من يقول : العبادة تحقق متعة روحية ونفسية أكبر من القراءة .
أقول لابد من أن تسبق العبادة بالقراءة والوعي ،فالله تبارك وتعالى لايتعبد بجهل ..
وسأجد كذلك من يقول : السفر يحقق متعة أفضل بكثير من القراءة ،ويعود على الإنسان بمنافع جمة ، وزاد ثقافي ومعرفي كبير ، ووعي جديد الخ
أقول نعم ، ولكن مع الكتاب الذي تختاره بعناية يمكنك أن تسافر بعمق داخل أنفس العقول البشرية ، فتكتسب في ساعة ماأنفق فيه مؤلف الكتاب سنوات من عمره في السهر والاستذكار والتحصيل ، هذا فضلا عن الخبرات المتراكمة التي يفرغها لك في كتابه ، والتي هي من أنفس ماورثه عن أجيال من الأساتذة والمفكرين ممن تتلمذ على أيديهم .
كما يمكنك مع الكتاب التنقل بين كل بلدان العالم ، لتعرف كيف يفكر وفيما يفكر وإلى أين وصل ،وماموقعك منه ؟
ويمكنك كذلك أن تغادر هذا العالم كله إلى الملكوت الأعلى وإلى حيث تسمع تسببح الملائكة ، فتعيش في جنة ربك ، وأنت لاتزال في هذه الحياة الدنيا وقدمك على أرضها .
ثم إنك مع القراءة والكتاب يتضاعف عمرك أعمارا ، وتعيش الحياة حيوات عديدة ، ويصبح عمرك مديدا سعيدا ، وهو ماعبر عنه العقاد بقوله :
أحب القراءة لأن حياة واحدة لاتكفيني "
هذا بالإضافة إلى أنك حين تخلد إلى القراءة بشكل يومي متكرر ، تتخلص من آفات كثيرة ، فمارأيت قارئا تافها ولاثرثارا ولاأحمق ولاسفيها ولاثقيلا ولافارغا …
حقيقة يشتد حزني وتعجبي ممن أقامهم الله تعالى في هذا الخير من الأساتذة والمعلمين ، الذي يفترض فيهم أنهم قوم عاكفون في محراب التعلم والدرس لايبرحونه ،لينقلوا رسالة العلم حية للأجيال بتجديد وعيهم الدائم بالقراءة ، ولكنهم غارقون في مهمات أخرى وتنازعات على لعاعات من الدنيا ، ومناصب زائلة ، ومسميات فارغة القيمة .
إن الأستاذ الذي يقوم بحق أمانة التعلم والتعليم يكافئه الله بالخلود ، فهو حي في وجدان أبنائه الطلاب ماعاشوا ، وحي بدراساته وأفكاره الحية ، وأبحاثه الخالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
ولعلنا نكون قد وعينا لماذا نزلت أول آية من القرآن الكريم تقول " اقرأ"