والدي العارف بالله فضيلة الشيخ عبد السلام أبو الفضل ، الإمام العابد الزاهد الصوام القوام الفقيه الثبت ، الذي شهد له بالولاية أئمة عصره بل كل من لقيه أو سمعه أو صحبه أو جالسه ولو لدقائق معدودات ، لم يختلف اثنان في ذلك .
كان تصوف سيدي الوالد رحمه الله ورضي عنه يتلخص في الاستقامة على الكتاب والسنة والتزام التقوى ومكارم الأخلاق ، هكذا باختصار شديد .
وأجزم بأن سيدي الوالد رحمه الله ورضي عنه لم يتحدث معي يوما عن الطرق الصوفية، ولم يدع أبدا أنه شيخ طريقة، أو من أهل العهد ، بل ومارأيته أعطى أحدا عهدا أو بيعة أو نحو ذلك .
وكان رضي الله وأرضاه إذا حدثني عن أئمة أهل التصوف من السلف الصالح ، يصفهم بقوله "الصالحون " فحررني بذلك من التعصب والتبعية لفرقة أو لطريقة أو نحو ذلك .
كما كان رحمه ورضي عنه الله حريصا أشد الحرص حين يحدثني عن الصالحين من أئمة التصوف ،على أن يختار لي أهل الالتزام منهم بالكتاب والسنة ، كأبي طالب المكي وأبي الحسن الشاذلي وابن عطاء الله صاحب الحكم ، والجنيد رحمه الله ، الذي تحدث عنه ابن تيمية نفسه بكثير من الإكبار ، فكان يقول عنه " سيد هذه الطائفة "
وكان والدي يكثر من ترداد قوله" علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة"
كما كان يحدثني عن أبي يزيد البسطامي و يذكر لي قوله" إذا رأيت الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تروه عند الأمر والنهي …"
كما كان رحمه الله ورضي عنه حريصا كل الحرص على عدم الحديث عن المختلف فيهم من أهل التصوف ، خصوصا أهل الرموز والإلغاز كابن عربي والحلاج ونحوهما.
ومن منهج سيدي الوالد رحمه الله ورضي عنه في التعليم والتربية : الوضوح واختيار أيسر السبل لإيصال المعنى المراد ، وتجنب المبالغات والحكاوي المرسلة التي لاتستند إلى سند صحيح .
كما كان رحمه الله ورضي عنه حريصا على تلقيني معالم التصوف الصحيح المستند إلى الكتاب والسنة بأيسر سبيل :
فكنت إذا سألته عن كرامة الولي مثلا كيف تكون؟ يجيبني بقوله : الكرامة ثابتة بالكتاب والسنة ولكن " الاستقامة خير من ألف كرامة "
وحين ألححت عليه في اختيار ورد أواظب عليه :
قال لي : عليك بقراءة ثلاثة أجزاء من القرآن كل يوم ، فخير الذكر الكتاب ، ثم أكثري من الصلاة والتسليم النبي صلى الله عليه وسلم وآله يفتح لك بإذن الله .
كما حفظني بنفسه الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم لألتزمها صباحا ومساء لاأحيد عنها .
وحين بلغت سن النضج وأدركت أن والدي من أعلام الصوفية في عصره، وقد شهد له الجميع بالولاية من الصوفية وغيرهم ، سألته ، ماالتصوف ؟
قال لي " التصوف هو التحقق بمقام الإحسان ، أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
والتصوف خلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف .
ثم إن التصوف حياء من الله ، يستحيي الصوفي الحق من أن يراه الله على معصيته..
أما عن مذهب والدي رضي الله عنه العقدي :
فيعلم الله أني ماسمعت منه ذما لفرقة معينة ولامدحا لأخرى ، فقد لقنني التوحيد بعد الشهادتين عن طريق تعميق مفهوم الأسماء الحسنى في قلبي ، مع تركيز كبير على مايتصل منها بمعاني الجمال ، وكذا الحرص دائما على إتباع بيان معنى الاسم الجليل بقوله " ليس كمثله شيءوهو السميع البصير "
وقوله : كل ماخطر ببالك فالله بخلاف ذلك .
وكان يقول لي التوحيد كله في سورة الإخلاص ، " قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد "
ثم يتلوها موضحا معناها بأيسر سبيل ، وبما يتفق مع منطوق الآيات .
أما عن منهج سيدي ووالدي في تلقيني العبادات والسلوك …
فمنهج في غاية السلاسة والروعة …….
يتبع إن شاء الله