الزمان: خمسينات القرن الماضي
المكان: مدرسه على عبد اللطيف الإعداديه للبنين بميدان سيمون بوليفار /جاردن سيتي
تهيئه عامه للجزء الثاني من المقاله...........
بدأت السنه الأولى الإعداديه بمدرسه قصر الدوباره الإعداديه للبنين وفي اجازه منتصف العام بلغونا بأن هذه المدرسه قد ألغيت من سجل وزاره المعارف العموميه(التربيه والتعليم بعد ذلك) نظرا لبيع أرضها ومبانيها للسفاره الامريكيه بالقاهره وتم تقسيم التلاميذ الي نصفين النصف الأول سيضم الي مدرسه على عبد اللطيف الإعداديه والنصف الثاني سيذهب الي مدرسه القربيه الإعداديه وكنت انا من ضمن المنظمين الي مدرسه على عبد اللطيف الإعداديه للبنين.....
وقفه قصيره:
مدرسه على عبد اللطيف الإعداديه (موجوده حتى الآن مهجوره نظرا لصدور قرار بهدمها) وهي عباره عن قصر كبير ذو مبنى ضخم كان لإحدى أميرات الاسره المالكه وتبرعت به لوزاره المعارف العموميه رغبه منها في المساهمه لزياده التعليم بالمملكه المصريه وكان هذا القصر في مكان استراتيجي بقلب القاهره فهي تقع على احد جوانب ميدان سيمون بوليفار أمامها فندقي شيبرد سميراميس العريان وعلى جانبها الأيمن يقع مجمع التحرير والأجانب الأيسر مباني وملحقاتها السفاره الامريكيه وخلفها شارع القصر العيني في منطقه مجلس النواب (الشيوخ) ونظرا الاهميه وهدوء المكان الذي تقع فيه فلقد الغي منها طابور الصباح والتفتيش على التلاميذ وفي نفس الوقت اوقات الراحه تكون بداخل الفصول..... وكان هذا القصر مكون من ثلاثه أدوار وتصميمه الداخلي رفيع المستوى ومواد بناءه من اجود الخامات وأكثر مالفت نظري هو السلم الداخلي لهذا القصر فهو مصنوع من خشب البلوط النادر الصعود عليه مريح وغرف الدراسه. واسعه وعاليه الأسقف وذات شبابيك واسعه وكان فصلي يقع على الجانب الأيمن من المدرسه وبه بلكونه واسعه ذات حديد كريستال مشغول بدقه شديده وبديعه المنظر وكان ممنوعا علينا الخروج إليها وبابا مغلق دائما وكان الهدوء الشديد والمفروض علينا بصرامه شديده تجعلك تسير أمام المدرسه ولا تشعر ان بداخلها احد... وكان كل من يعمل بالمدرسه سواء من المدرسين او الاداريين من الرجال ولا يوجد سيدات او انسان بها... وبعد انتظامنا بالمدرسه وفي اول يومين لاحظت الاتي....
# لايوجد حوش بالمدرسه يتسع للتلاميذ جميعا بل كانت كل سنه دراسيه تقف في جزء حول المدرسه وبداخل اسوارها وذلك للتتميم فقط..
# زي المدرسه الرسمي كان مثل زي المرحله الابتدائيه (البدله) ولكن باللون الكحلي ولكن وجدت تهاونا شديدا في التفتيش على الزي فكان من الممكن استبدال جاكت البدله ببلوفر صوف كحلي وبشرط لبس تحته القميص الأبيض والكرافته الكحلي كما أن الحذاء يمكن استبداله باللون البني بدلا من اللون الاسود.
# وجدت ان هناك تألفا شديدا بين تلاميذ المدرسه القدامي واساتذه المدرسه كما أن المدرسين كانوا كلهم على درجه كبيره من العلم الاحترافيه الشديده...
# وجدت ان التلاميذ القدامي بالمدرسه تسودهم حاله من التوحش والشراسه عند تعاملهم فيما بينهم وكانت تدور بينهم معارك طاحنه بعد خروجهم من المدرسه بعد انتهاء اليوم الدراسي وتتم هذه المعارك في الشوارع الجانبيه لحي جاردن سيتي مما استدعى تواجد دوريات من جنود البوليس تمر في الشوارع بصفه دوريه وفي توقيتات انتهاء اليوم الدراسي لهذه المدرسه أو مدرسه الإبراهيميه الثانويه الموجوده أيضا في هذا الحي (موجوده حتى الآن وانضممت عليها في المرحله الثانويه)
(انتهت الوقفه)
في بدايه انضمامنا لهذه المدرسه استقبلنا التلاميذ القدامي بها بكثير من الفتور في البدايه ثم تحول إلى الملاسنه ثم إلى اشتباكات بسيطه بالأيدي ثم إلى معارك شرسه تدور خارج المدرسه وكل ذلك بسبب شعور التلاميذ القدامي بأننا شاركناهم في المدرسه وكأنها من املاكهم الخاصه علاوه على مزاحمتهم في فصول الدراسه فلقد ارتفعت كثافه الفصول في المدرسه من ١٥ تلميذ في الفصل الواحد لتصل الي مابين ٢٨-٣٠ تلميذ بداخل كل فصل وكانت هذه الاعداد غريبه علينا وعليهم أثناء الدراسه....
ملحوظه هامه:
كان سكرتير المدرسه من الذكاء الانتباه لما قد سيحدث فلقد ساوي مابين التلاميذ القدامي والجدد(اللي هو احنا) بداخل كل فصل ليضمن تعادل ميزان القوي........
كانت المعارك التي تدور خارج المدرسه تنتهي بسماع صفاره عسكري البوليس فيهرب المتعاركين من الشوارع الجانبيه المحفوظه جيدا في اذهان الجميع
ملحوظه:
كان كل عسكري بوليس يحمل صفاره ذات صوت مميز يحملها في الجيب الأيسر ولها سلسله جميله تتدلي من هذا الجيب...
اما بالنسبه لي فلم اشترك في يوم من الايام في هذه المعارك لسببين اولها انني لست من النوع الذي لا يتعامل باليد أثناء الخلافات وإنما اتعامل بالعقل والسبب الثاني هو وجود بدر الملوك (حارسي الخاص) معي دائما ويصاحبني أثناء الذهاب والعوده والذي كان سببا رئيسي في ردع اي محاوله للاشتباك معي أو مهاجمتي فلقد كان يكفي ان يشير بأصابعه في الهواء اشاره تعني العب بعيد ياولد في وجه الشخص الذي يريد مهاجمتي وشيئا فشيئا رسم بدر الملوك هيبتي في وسط التلاميذ سواءا القدامي او الجدد ووجدت الكثيرين منهم يقربون لي سواءا خوفا او تزلفا اواعجابا ولم ارد اي منهم في مصادقتي...... ثم امتد الأمر المدرسي المدرسه عندما علموا ان والدي تاجر للاصناف التي لا يخلو بيت من الاحتياج إليها فلقد كانوا يوسطوني بينهم وبين والدي لمراعاتهم في الأسعار عندما يريدون شراء اي صنف منها وكان من يحتاج إليها يأخذني الي مكتب ناظر المدرسه لاتصل بوالدي من خلال التليفون الوحيد الموجود بالمدرسه واوصي على الاستاذ فلان او علان......
واشهد أمام الله أن والدي رحمه الله لم يخذلني في اي توصيه على اي مدرس طوال اربعه سنوات لهذه المرحله من التعليم بل العكس كان كريما معهم ففي بعض الأحيان يتنازل عن سعر الأصناف المشتراه ويعطيها للمشتري ببلاش....
كل تلك الأعمال او التصرفات جعلت كل هيئه التدريس تتعامل معي باحترام شديد وانا بالمثل ولعل هناك موقف في منتهى الفكاهه حدث معي لكم ان تعرفوه وتضحكوا.....
في احد الايام كنت متوجها للمدرسه ويسير بجواري بدر الملوك وهو يحمل لي شنطه المدرسه وكان يمشي خلفي احد الاساتذه بالمدرسه وانا لا أشعر به وكان هذا الاستاذ من النوع الرعديد وعندما وصلت إلى باب المدرسه ناولني بدر الملوك الشنطه ودخلت واذا بهذا الاستاذ يستوقفني ويسألني عن الديناصور الذي يسير بجواري ويحمل لي شنطه المدرسه فأجبته بأنه حارسي الخاص الذي يحميني من اي احد(وشددت على كلمه احد) يحاول الاعتداء على ثم أضفت او يحاول اغضابي فسمع هذا الكلام ولم يعلق عليه ومضي
وفي اليوم التالي فوجئت بهذا الاستاذ ينادي على بلفظ حضرتك.... هاهاهاها????????
وبعد مضى فتره بسيطه اكتشف الجميع انني اتعامل معهم بجدعنه وكرم شديدان فلم ارد اي احد عن أي طلب مني فلقد كان والدي رحمه الله دائما يوصيني بأن لا ارد طلب لاحد طالما استطيع تلبيته ودائما يقول لي ياابني ربنا خالقنا اسباب لبعض.....
هكذا تربيت.... وهكذا عشت... وعلى ذلك سأموت.....
انتظروني للجانب الفكاهي ولكن بدون تريقه عليا... ????