عبارة نخرت ذاكرتي وأبحرت معها في ذكريات الماضي، رأيت بيتنا القديم ومطبخ أمي، رائحة طعامها تملأ الأرجاء، هناك حيث يحلو الحديث معها ومراقبة الأواني على الموقد، شرائح الثوم والبصل وهي تتلألأ وترقص بين قطرات السمن البلدي، (طشة) الملوخية تزغرد فرحا، تتطاير نغماتها لتعزف على أوتار شهيتنا؛ فنشعر بالجوع، نجلس حول (طبلية) مستديرة من الخشب العتيق، توزع أمي نصيب كل فرد منا، تعطي لأبي نصيبا أوفر لكنه يعترض ويصر على أن يمنحنا الكثير منه، وتكتفي هي بأقل القليل، تربت بحنان على كتفي، تمنحنى قبلاتها، مرددة: "كُلي أنتِ هفتانة" فيمتلئ قلبي قبل معدتي حبا ودفئا، عطاءً سخيًا امتد للجيران والأهل فما من أحد إلا وتذوق الطعام من يدها الكريمة؛ فأدمنه وتعلق بقلبها الطيب، صغار العائلة وأطفال الجيران يجدون بيتنا جنة وطعامها لذة، سعادة ترفرف على أبواب مطبخ يتسع للجميع وفرن موقد دائما لمن يريد الطهو بلا مقابل، بابتسامة ثغر لا تفارقها تقدم أمي -رحمها الله- الطعام في أطباق من الحب.