التقيت بصديق لي بعد طول غياب، وتبادلنا الأحضان والأشواق وحديث الذكريات، ثم سألني: كيف حالك؟ قلت له: الحمدلله بخير، ضحكنا وتسامرنا وسهرنا، وخرجنا نتجول في الطرق والساحات، البنايات نفسها، والوجوه نفسها ومعانيها، تتشابه الأمكنة، وتتعاقب الأزمنة، ومعالم الطريق قد تضيق بنا وقد تتسع.
ما الذي تغير؟ وما الذي حدث؟
نحن مَن تغيرنا! فقد اختلفنا عن ذي قبل، وألقت المسئولية بتبعاتها علينا، أرهقتنا الحياة، وازدادت أعباؤها وأعباؤنا.
انتهى اللقاء بيني وبين صديقي ككل نهاية كانت لها بداية،
ثم اختليت بنفسي وسألتها: هل ردي على صديقي: ب "الحمدلله" مُعبرٌ عن حالي كان صدقاً أم كذباً؟!
هل هذا الحمد والثناء لرب العالمين نابعٌ عن إحساس بنعمه -سبحانه- الكثيرة علينا؟ أم أن في القلب غصة وحزناً دفيناً!
الحمد لله جامعة مانعة، نقولها سراً وعلانية، وفي السراء والضراء، والخير والشر، نقولها في النعمة والنقمة، في أفراحنا وأتراحنا.
هي الإجابة التي تختصر حالنا وما فيه من أوجاع، ولكن حقاً سئمنا الحياة وما يحدث فيها؟ فالناس قد تلوثوا، وتدنت أخلاقهم، وتهاوت مبادئهم، وتعالت صيحات الأنا لديهم.
أصبحت القاعدة استثناء، والمفروض مرفوضاً، والكذب قد تجمل واتضح جلياً في أبهى صوره، وارتدى ثوب الحقيقة ليتحول صدقاً، زخرفته الألوان وأبرزته الأموال.
نالت منا الأنانية، وافتقدنا الإحساس بمعاناة الآخرين، لم نعد نتألم لآلام غيرنا، ولم نعد نمد يد العون لمن يستحق.
تغيرنا كثيراً، وتدنس فينا لوننا الأبيض الذي فطرنا الله عليه.
لماذا لا تعود إنسانيتنا؟ إنسانيتنا فقط دون مسميات!
هل سنظل في سعيٍ مستمر لآفاق رحبة ننشد أجواءها؟
فما أحوجنا لشم هوائها النقي.
( والآن ) إذا سألتني: ما بك؟
سأجيبك: لا شيء، ولكن بداخلي كل شيء.