بالصدفةِ البحتة، رأيت صورتك وأنا أتصفحُ آخر الأخبار على تطبيق الفيسبوك في أحد الصفحات التي تهتم بأمر المصريين في أوروبا، وما أنتجوه من أبحاث أفادت البشر.
توقفت قليلًا أمام الملامح التي غيرها الزمن، لكن تذكرتك بعد تدقيقٍ وإمعان، هذه النظرة المتطلعة إلى المستقبل مرت عليَّ من قبل، هذه الضحكة الصافية ما زالت محفورة في ذهني- لم يتغير فيك شيء؛ فقط علامات العمر الطبيعية، فلكلِّ مرحلةٍ منها وقتها، قرأت ما كُتب عنك، وهالني ما وصلت إليه من تقدم في مجال تخصّصك، وإشادة العلماء - هناك - بك وبجهودك الملحوظة في البحث والدِّراسة، دخلت إلى ملفك الشخصي فرأيتك ما زلت أعزبًا لم تتزوج بعد، وفي أحد التعليقات هناك من يقول لك تزوج حتى نفرح بك وبذريتك، وأنت ترد قائلًا:
لقد سرقتني الغربة، وأخذ وقتي العلم فتفرغت له وأخلصت في خطواته.
وقرأت أيضًا وصفك لهذا البلد الذي تقيم فيه وكيف أنهم يحترمون ويقدرون الآخر، وقولك عنهم: إنهم بسطاء غير متكلفين، يعاملونك بلطفٍ وأدبٍ جم. ثُمَّ تختم بأنها "الإنسانيَّة في أسمى معانيها".
تشير إليهم بأنهم هادئون كارهون للظلم والفساد، عاشقون للعدل والمساواة وتطبيق القانون، لا فرق بين وزير وغفير، الكل سواسية ودون نقص من إنسانيتك، أنت وسط أناس صادقين؛ لا يكذبون، ولا ينافقون.
أصحاب المحال التجاريَّة يتركونها - أحيانًا - مفتوحة، تأخذ ما تشاء ثم تدفع القيمة في مكانها المخصّص، الإشارة حمراء ولا أحد في الطريق غيرك، ورغم ذلك تقف وتنتظر ثم تنطلق بعد تحوّلها إلى خضراء، أي رقيٍ هذا؟ بل أي ثقافةٍ هذه؟!
أنت في الغرب ونحن في الشرق، وإذا سألتني عن الوضع القائم عندنا وما استجد فيه من أحداث وتطورات أقول لك بكل أسى: إن الوضع مؤسفٌ ومزرٍ للغاية، فالعقول لم تتغيّر بعد بل ازدادت سوءًا مع الأيام.
تفتح شاشات التلفاز، ما تجد إلا النزاعات والصراعات والقتل والتدمير، لدينا في الشرق كذبٌ وخداعٌ، وظلمٌ وافتراءٌ وادعاء بما هو غير حقيقي. لدينا أسرٌ تتفكك، وشبابٌ ضائع، أسوتهم في الدنيا الممثلون، ولاعبو الكرة.
لدينا أنظمةٌ مستبدّة، وعلماءٌ مهمّشون، وأوضاع لا تليقُ بتاريخنا وحضاراتنا.
يُحيط بنا من كل مكانٍ التلوّث السمعيّ والبصريّ والبيئيّ، والصّخب والضّوضاء.
هناك عدم مراعاةٍ لشعور الآخرين، واقتحام لخصوصياتهم، ومجاملات، ووساطات، ومحسوبيات حطّت من تقدمنا، وحطّت من هيبة القانون وتطبيقه. نحن في شرقنا نُسرق وسط الهالة الإعلاميَّة الممنهجة الملاحقة لنا في كل مكان، نحن نرى ونحلّل ونتحدّث في كل شيءٍ بحِرفيَّةٍ بالغةٍ ودون إحداث أي تغيير يُذكر، نحن نأكل بعضنا بعضًا في التعصب لدينٍ أو مذهبٍ أو عرقٍ أو لون، كلنا يرى نفسه الأفضل، نحن نقبل أنفسنا بصدرٍ رحبٍ، ونرفض الآخرين بحقدٍ دفين، ندبّر المكائد، ونستقوي على الضّعيف.
أتعجب يا صديقي لرسالتك التي أرسلتها لي مُبديًا اشتياقك للوطن وحنينك إلى منطقتك التي وُلدت فيها، واشتياقك لدفء المكان وشمسنا المشرقة، في حين لو سألتني أنتَ عن أمنيتي لقلت لك: " ليتني أسافر إليك؛ لأرى الإنسانيَّة كما يجب أن تكون ".
لك مني تحيةً من القلب.