جاءني في المنام مرتديًا جلبابي بمثل ما رأيته منذ آخر لقاء بيننا، أقبل علىّ مشتاقًا يُسرع خُطاه للقائي، توقف في أثناء سيره لِيُلقي السلام على مَنْ ناداه، ألقى تحيته عليهم كعهده دائمًا في تقديره للآخرين، ثم عاد وتابع خطواته نحوي، وأخذني بين أحضانه، وشعرت بحنينه وشوقه إلىّ، أحسست بدفء صدره وحنانه واحتوائه وهو يضمني، راق لي صِغَري وأنا بين ذراعيه، وفاق بى أدبي أن أزيد عليه، أخذني بين ضلوعه برفقٍ شديد، وتاقت نفسه لرؤياي، وضاقت نفسي ألا أراه، تذكرته وهو الذي لم ينسنى، وذرفت الدموع من عيني حزنًا عليه، فقد كان عوني وقوتي فى شدتي وكان حصني وأماني.
رحمك الله أبي العزيز الغالي! فكلما تذكرتك شعرت بغصةٍ مريرة في قلبي، وينتابني إحساس بالألم الشديد؛ فأنا لم أذق ألمًا في حياتي مثلما ذقت مرارة فراقك، وعدم اللقاء بك قبل مماتك لظروفٍ خارجة عن إرادتي.
كنت رجلًا يندر أن يجود الزمان بمثلك، وسأظل أفتخر بك طيلة حياتي، ومهما قلت عنك فلن أوفيك حقك، كنت مخلصًا وأمينًا وصادقًا ومحبًا للخير وساعيًا في خدمة الآخرين دون انتظار لمقابل.
لقد كافحت من أجلنا وعانيت الكثير في حياتك، فمن عرفك وتعامل معك جيدًا تيقن من جميل خُلُقك وحسن ظنك بالناس، لم تظلم أحدًا، ولم تخالف يومًا وعودك، ولم تتكبر على أحد، عشت شريفًا ونزيهًا وحرًا وعفيف النفس.
أبي العزيز: لقد عَزّ علىّ فراقك وترك في نفسي أثرًا كبيرًا؛ فقد كنت نعم الأب الذي أتشرف به، لقد أديت رسالتك معنا على أكمل وجه، وستظل محفورًا بداخلي، لن أنساك ما حييت.
فاللهم ارحمه واغفر له وتجاوز عن سيئاته، وحاسبه- يا رب- على قدر نيته وعمله الصالح في الدنيا، فأنت وحدك أعلم بما في داخله وما يخفيه بصدره.
اللهم اجعل مأواه الجنة واجمعني به يوم القيامة.
وداعاً أيها الأب الحنون. 《 توفى يوم ٢٠١٥/١١/١٤ 》