لا نفتقر إلى شيء سوى للحظة صدق تسكن أحلامنا وآمالنا، لحظة نفتقدها في واقعنا، وجمال لا تبصره عيوننا، وكلمات تمس آلامنا وأوجاعنا، نفتقر إلى أنفسنا وهي تصارع موجات الحياة، وتنفلت منا خيوطها وألوانها، نهرع لصومعتنا، وننكفئ على مشاعرنا في هدأة الليل، لننال قسطاً من الراحة والتأمل بين دفتي كتاب، ونبحر في عقول الآخرين، أو بين أفكار تبدو طموحة تشد من همتنا وعزمنا لحياة أفضل، أو بين حروف نابضة تسعد أحاسيسنا التي كادت أن تتلاشى من وطأة ما نراه وما يشوبنا.
ننادي قلمنا فيلفظنا، ويجف حبره رويداً رويداً، نتأمل سحره وجماله، ونسعى لصحبته، ولكن حاجزاً وهاجساً يفصل بيننا، ويمنع لحظة الوصول لأفكار قائمة ولكنها لا ترى النور، ثم تقلب الصفحة بكل ما فيها من منحنيات وتعرجات شابت استواء سطورها وعفة ملامحها الأولى، لتأتي نسمات فجر يوم جديد، وقبل أن تشرق الشمس ينتابنا شعور لا مثيل له بمتعة روحية لم تعهدها النفس من قبل، وإحساسٍ بالطمأنينة يسكن الأعماق، ولحظات إيمانية نتدبر فيها عظمة الخالق في هذا الكون الفسيح، وضعفٍ يسيطر علينا من خشية الله ونحن نلجأ إليه ندعوه ونستغفره، ونلوذ به، ونناجيه أن يستجيب لنا ما سألناه، ويغيثنا كغيث أرضٍ عطشى تشققت من الظمأ، فهو القادر على كل شيء سبحانه جلَّ في علاه، ما أروعها من نفحات تجلي صدورنا وتصفي قلوبنا! ونحن نتوجه لبيته لنكون بين يديه، خاضعين خاشعين متضرعين، ينفحنا هواء الصبح العليل، ورضا ننشده من الرؤوف الجليل.