فكرة تقرع على رأسي كالمطرقة، وتَنْفذُ في رأسي كالمسمار، وتتجلى أمام عيني دائماً، وهى: (ماذا لو رجع الميت إلى الحياة؟ وخرج من قبره يتجول بين الناس خِفية، ويسمع ما يقال عنه مدحاً أو ذماً).
إنها فكرة مجنونة تستحق الوقوف والتأمل! البعض سيقول: "اذكروا محاسن موتاكم" ويكتفي بذلك، والبعض سيذكر مواقف حدثت ما بين عمل صالح وآخر طالح، والبعض لا يستطيع كبح جماحه وسيلفظ بما يعرف عن المتوفى من أسرار عنه، وسقطات كان قد وقع فيها.
غريب أمر البشر! هناك مَن يحفظ العهد، وهناك من يبوح به، وهناك من يقل الكلمة الطيبة، وهناك من يعيب ولا يستر.
نهايتنا الحتمية هي الموت، تلك حقيقة لا مفر منها، مثلما بدأت البداية ستنتهي النهاية، لن نُخلد في الدنيا ولن نبقى، وسيبقى فقط عملنا الصالح، وأثرنا في الدنيا.
لا شك أننا نخطئ كثيراً في حياتنا، ونتعلم من أخطائنا أكثر، أحياناً نطغى، وأحياناً نرحم بعضنا البعض، وأحياناً أخرى نجد البعض يتخذ البغض والحقد والظلم مسلكاً لهم طيلة حياتهم، للدرجة التي نفقد فيهم الأمل بأن ينصلح حالهم، لكن المؤكد أن مثل هذه النوعية لديها ولو ذرة إنسانية باقية، وشعور بالأسف يغلب عليهم على ما اقترفوه من ذنوب في حياتهم.
الحياة لا تستحق العبث فالبعث ينتظرنا بعد فقدها، كلنا راحلون وزائلون، وسنظل نتعلم، وسيظل إحساسنا قائماً مهما بلغت درجات الشر عندنا.
وبعد جولة جال فيها الميت بين الناس، وجد أن البشر لن تُكمم أفواههم ما بين حق وباطل، ولكن هم في النهاية بشر بينهم وبين الإنسانية درجة اقتراب يسعون إليها ويتشبثون بمعطياتها.
وبعد حيرة رجع الميت إلي قبره، حيث الراحة الأبدية، تاركاً أمره لله فهو أرحم به وأعلم ما في نفسه.