هرجٌ ومرجٌ، كرٌّ وفرٌّ، صيحاتٌ تتعالى هنا وهناك، إنهم يتجمهرون، هكذا قال لي أحدهم في اتصالٍ بيني وبينه بلهجةٍ عاجلة غير آجلة طالباً مني الحضور على الفور إلى الساحةِ الكبيرة المكتظة بالسكان وسط ميدان المدينة، دون أن يُبين لي حقيقة الأمر، انتهت المكالمة الهاتفية وقد أربكني ما قيل؛ فانطلقت بسيارتي ورياح الطريق تلاحقني، تلفحني تارة وتصفعني تارة أخرى، وقنوطي يلفظني.
رأسي يدور جراء ما سمعت، ويحيط بي قلق ما، يعتريني ويحتويني، تتمدد الأفكار وتتعدد الأذكار، وأتساءل: ماذا يجري هناك؟
أحدق في عيون الناس يميناً ويساراً كلما سنحت لي الفرصة واستوقفتني إشارة مرور حمراء، أبحث في عيونهم، وأترقب تعبيرات وجوههم، وأتابع سيرهم، هل يسرعون الخُطى أم لا؟! يتبدل لون الإشارة للأخضر، أُكمل انطلاقتي نحو الميدان.
وفي أثناء انطلاقي يلتقطني رجل بنظرةٍ من عينيه وإشارة بيديه، يقف على جانب الطريق وأنا أتعجل في أمري؛ فوقفت احتراماً له، ولأنه يعرفني ويعرف لون سيارتي المميز، ركب معي وطلب مني أن أوصله لمكانٍ يبعد عن الميدان، هو في كامل أناقته، وعطره نفاذ، ويتحرى الشوق للخوض معي في حديثٍ ما، هو يضحك ويمرح وفي كامل تألقه، باله رائق أكثر مني، ولسانه يشتهي الكلام، وأنا في المقابل تتخلل عقلي شبكة عنكبوتية تلتف وتتشابك خيوطها برأسي المرهق، وأقود مرتبكاً، متوتراً، متوجساً، منتظراً لمفاجأة قد تسعدني وقد تحزنني.
أصابني الاختناق من هذا الرجل فصحوت من نومي على رنين هاتفي، ولم أُكمل حلمي، ولكن خفت أن يكون المتصل كما جاء لي بالحلم يطلب مني الحضور للميدان وسط كل هذا القلق والأرق.