وأنا صغير ما بين منتصف الثمانينيات وحتى ما قبل منتصف التسعينيات لم نكن نملك في بيتنا وسيلة من وسائل الترفيه سوى مذياع قديم ومتهالك ولكن صوته كان واضحاً رناناً .. هذا الراديو كان بدايتي في تذوق الجمال في كل شيء .. تشكل وعيي من خلاله .. نما سمعي على روائع الإذاعة المصرية .. برامج كثيرة كنت أستمع إليها بشغفٍ وولع لعمالقة الإذاعيين والإذاعيات.
تأثرت بجميعهم وعلى رأسهم فاروق شوشة وبرنامجه "لغتنا الجميلة"، سلوان محمود وبرنامجها "قطرات الندى"، عمر بطيشة وبرنامجه "شاهد على العصر"، ناديه صالح وبرنامجها "زيارة لمكتبة فلان"، أمين بسيوني وبرنامجه "كتاب عربى علم العالم"، بثينة كامل وبرنامجها "اعترافات ليلية"، سميرة عبدالعزيز وسعد الغزاوي وبرنامجهما "قال الفيلسوف"، آمال فهمي وبرنامجها "على الناصية"، آمال العمدة وبرنامجها "صحبة وأنا معهم"، علي فايق زغلول وبرنامجه "مسرح المنوعات"، فؤاد المهندس وبرنامجه" كلمتين وبس"، هاجر سعدالدين وبرنامجها "دنيا ودين"، رضا عبدالسلام وبرنامجه "قطوف من السيرة"، سناء منصور وبرنامجها "فانتستيكا"، إيناس جوهر وبرنامجها " تسالي"، حمدي الكنيسي وبرنامجه "المجلة الثقافية"، أسمهان البلك وبرنامجها" ملتقى الأحبة"، عاطف عبدالعزيز وبرنامجه" تليفون آخر الليل" ، نجوى أبو النجا وبرنامجها "حكاوي الأربعاء" ووو ...
كل هذه البرامج كانت بإذاعات البرنامج العام، والقرآن الكريم، والشرق الأوسط، وصوت العرب، والشباب والرياضة.
أسماء كثيرة ولامعة .. عشقت الإذاعة المسموعة، وتمنيت أن أكون واحداً من العاملين بها كقارئ نشرة أو في الإلقاء الشعري وتقديم البرامج الأدبية .. كانت أقصى أمنياتي،
في تلك الأثناء عشقت القراءة وبدأت أشتري الكتب بشراهة بالغة، والجرائد والمجلات كنت أستعيرها من البائع لمدة ٢٤ ساعة وأردها في اليوم التالي. أما الكتب فكنت أشتريها وأنفق عليها كل ما أملك من المقابل المادي الذي كنت أتقاضاه من والدي رحمه الله كل أسبوع من عملي معه لدرجة أن مكتبتي الآن وصل عدد الكتب فيها إلى ما يقرب من أربعة آلاف كتاب ما بين الأدب على اختلاف فنونه من رواية وقصة قصيرة وشعر ومسرح ومقالات لكبار المفكرين والأدباء ممن تركوا بصماتهم في عالم الإبداع، والتراجم والسير الذاتية وأدب الرحلات والموسوعات الثقافية المختلفة والكتب الدينية والتفسير والعلوم النفسية والإجتماعية وكتب عن المرأة واهتماماتها و...و...و ...
عشقت هذا العالم، وأول إنسان زرع داخلي حب الكتابة صديق لوالدى كان معه بالعراق في منتصف الثمانينيات اسمه الأستاذ خالد الطنطاوى.
كان أبي رحمه الله لا يقرأ ولا يكتب فكان الأستاذ خالد يكتب لي الخطابات بلسان حال والدي موجهاً الكلام لي بالابن العزيز الغالي "شريف". كنت أحب شكل الخطاب وخط صديق الوالد الجميل .. في هذه الفترة الزمنية كنت بالمرحلة الإبتدائية ما بين الصف الثالث والخامس الابتدائي، وكنت أرد عليه بأسلوبه ناقلاً نفس الكلام وكاتباً على الظرف من الخارج: " العراق ..الموصل .. محافظة نينوى .. راس جادة .. يصل ليد/ إبراهيم حسن خليل"
(( حتى العنوان لا زلت أذكره )).
هذا الشخص هو أول من وضع بذرة حب الكتابة عندي، وهو موجود حتى الآن متعه الله بكامل الصحة والعافية ورزقه البركة في كل شيء وحفظ أولاده من كل سوء، ومن منبري هذا أوجه له التحية وأود أن أقول له أنني أحبه وأقدره كثيراً.
ثم بعدها عشقت المراسلة، وبدأت أراسل بعض البرامج الإذاعية التي تهتم بهواة المراسلة حتى فوجئت أن الإذاعية أسمهان البلك تنطق اسمي وما كتبته ببرنامجها ملتقى الأحبة بإذاعة صوت العرب المصرية. يومها كنت في أشد الفرح أن اسمي نُطق بالإذاعة وبعدها انهالت علىَّ الخطابات والمراسلات من كل صوبٍ وحدب .. كونت صداقات وقتها عبر البريد، وظللت أمارس هذه الهواية لسنواتٍ طويلة في التعارف وتبادل الآراء والمعلومات،
وهذه كانت البداية ثم انطلقت بعد ذلك في عشق الكلمة.