أنت وحدك الذي تعلم جيدًا ما بك، داخلك مناخ يتغيَّر ويتقلَّب تقلُّبات الفصول الأربعة، أحيانًا على فترات وأحيانًا أخرى في لحظات، تنطوي على نفسك إذا ابتعد عنك الآخرون وتركوك كشتاء شديد البرودة تتلمَّس فيه دفئًا يحميك من لسعته، أو تضجر ويصيبك الملل من حديث أحدهم المتكرِّر دون فائدة تُذكر كصيفٍ ساخنٍ يجعلك تودُّ أن تلفظ ملابسك لتواجه حرارته، أو يسعد قلبك بثمرةِ نجاحٍ جَنَيتَهَا كربيعٍ أقبل عليك بضحكاته الورديَّة، أو يصيبك همٌّ وحزنٌ فتنطفئ شمعتك ويخفت صوتك كخريف ذبُلت أوراقه واصفرَّ لونها.
أنت تعي ما يدور حولك، ووعيك هذا يؤذيك في تفكيرك ومشاعرك، تفطن لطباع البشر وتعلم جيدًا زيفها إذا ارتدت الأقنعة وخلعتها، أو صدقها إذا كانت ثابتة لا تتأثر بمغريات حولها.
يظهر معدنك في الأزمات، فلربما أزمة تصيبك تُرجعك إلى صوابك فتتقرَّب إلى الله من بعد معصية، وتهدأ نفسك من بعد صخب، وتتواضع من بعد كبر، وترحم من بعد قسوة، وتشعر بالآخرين من بعد أنانية، وتعطي من بعد منع.
الحياة ضاغطة عليك.. ولِتحياها، عليك الوفاء بالتزاماتها، وإذا لم تفِ بما تطلبه منك.. ماجت بك موجًا، إما أن تُغرقك في بحرها فتبتلعك، وإما أن تكتفي بدفعك طالما بقيَت فيك طاقة على مواجهة أمواجها المتلاطمة.
لن يستقيم البشر، وستبقى الحياة كطريقٍ اعوجَّ مساره عليك تتبُّعه لتصل إلى الوجهة المطلوبة مع تقبُّل العثرات التي ستصطدم بها.
استمر ولا تقف ولا تلتفت، وتخيل أن على جانبي الطريق وعلى طول امتداده أناسًا يصطفون لرؤيتك، لن يدَعوك وشأنك، وإذا صفا الجزء فلن يصفوَ الكل..
وعليه، تجاهل ما يزيدك عبئًا، وتناسَ ما يؤلمك تذكره.
أنت رهن إشارة عقلك، يوجِّهك هنا أو هناك، تفعل خيرًا أو شرًّا، وقلبك يقف أمام عقلانيَّتك.. يميل ويهوى ولا يود المغادرة، ربما يتجاوز الخطوط الحمراء، ربما يقربك من كل ما هو مرفوض ومحظور، عليك الانتباه، عليك أن تكبح جماح نفسك.
سوؤك وشرك قائمان لا محالة، لكنَّ هناك جانبًا مضيئًا سينير ظلامك.. لا تقفل بابه! دعه مفتوحًا يقول كلمته، فلربما أزاح نوره ظلمتك وأشرقت شمسك من جديد.